زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ
يصعد الذكاء الاصطناعي بوصفه الثورة الصناعية الجديدة، لكن خلف هذا الصعود القوي البراق والعناوين الضخمة، ثمة خطر خفي: فقاعة رأسمالية تتكون من تدفقات مالية دائرية شبه مغلقة بُنيت على توقعات نموٍّ مستقبليٍّ في الابتكار أو المنافسة. الابتكار التقني واضح لا شك فيه، إنما نحن بصدد ابتكار من نوعٍ آخر، ابتكارٍ ماليٍّ تحوم حوله الشكوك ولا يعرف أحد عقباه.
تكلمنا سابقًا عن العلاقة المهمة بين شركة “الذكاء الاصطناعي المفتوح” و”مايكروسوفت”، وهي المثال الأوضح للتدفق الرأسمالي الدائري الذي نتحدث عنه. فقد ضخت “مايكروسوفت” 13 مليار دولار في الشركة الناشئة، مما أثار فضول المحللين حول هذا الاستثمار الكبير. لكن سرعان ما تبيّن أن هذا الاستثمار يعود لـ”مايكروسوفت” نفسها، حيث تنفق “الذكاء الاصطناعي المفتوح” مبلغ الاستثمار على خدمات الحوسبة السحابية لـ”مايكروسوفت” (آجر).
ما كان تمويلًا خارجيًّا مستقلًا تبيّن أنه حلقة مغلقة: مستثمرٌ يمول مختبرًا ثم يستعيد أمواله وهو يزوّده بالخدمات. تعزز هذه الدائرة المغلقة هيمنة اللاعبين الكبار، وتراجع فرص المنافسة والابتكار في البنية التحتية السحابية.
مع تكون دائرة “مايكروسوفت” تكوّنت دوائر على المنوال نفسه. أعادت “الذكاء الاصطناعي المفتوح” استخدام النموذج مرةً أخرى، حيث استثمرت “أوراكل” 300 مليار مقابل استخدام مراكز البيانات التي ستنشئها ضمن مشروع “ستارغيت”. ليست “أوراكل” وحدها، إنما دخلت في النموذج الجديد شركات ناشئة مثل “كورويف” التي منحت أسهمًا بقيمة 350 مليون دولار مقابل خدمات مراكز بيانات متخصصة في الذكاء الاصطناعي. توفّر هذه الاستثمارات الدائرية بنيةً تحتيةً مكلفةً على مستوى الطاقة والموارد البيئية فضلًا عن الموارد الأخرى، هدفها دفع النمو في سباقٍ لخلق الطلب المستقبلي الذي تحوم الشكوك حول جدواه الاقتصادية الفعلية.
من هنا يكمن خطر الفقاعة. إذا ارتفعت القيمة السوقية بناءً على الاستثمارات الضخمة لا على توقعاتٍ مستقبليةٍ من الطلب الحقيقي، تصبح الفقاعة جاهزةً للانفجار متى ما زادت الشكوك حول الطلب المستقبلي. يُفترض الجميع أن القائمين على الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة يعرفون شيئًا لا نعرفه، إلى أن يتبيّن العكس. ما إن يتباطأ النمو أو تضعف شهية المستهلكين، يصبح النظام الدائري مهددًا بالسقوط على رؤوس حامليه. فإعادة تدوير الاستثمار يخلق اقتصادًا ضخمًا لكنه هشٌّ في جوهره، يعتمد على التزاماتٍ متبادلةٍ أكثر من اعتماده على قيمةٍ إنتاجيةٍ حقيقية.
مع زيادة حجم الاستثمار والثقة العمياء تتسع دائرة الخطر. لن يطال الخطر “وادي السيليكون” فحسب، بل الاقتصاد العالمي كله. تبتلع فقاعة البنية التحتية رأس المال والمهارات وتضخّم التقييمات من دون زيادةٍ مقابلةٍ في الإنتاجية. وإذا انفجرت، فستخلف خسائر هائلة في قطاعات الحوسبة السحابية والطاقة والتوظيف، وستجبر العالم على إعادة تقييم جدوى استثمارات الذكاء الاصطناعي كلها. فهل يتدخل المنظمون لكسر هذه الدائرة الاحتكارية، أم يقفون بانتظار خروج هذه الموجة بانتصارٍ تاريخيٍّ بنجاح أداةٍ رأسماليةٍ جديدة؟








