AI بالعربي – متابعات
تتسارع وتيرة تبنّي كبرى الشركات العالمية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بقناعة متزايدة بأن هذه التكنولوجيا ستعيد رسم خريطة المنافسة خلال السنوات المقبلة. غير أن هذا السباق التقني يكشف مفارقة لافتة، إذ يقفز حجم الإنفاق بوتيرة سريعة، بينما لا تزال العوائد الفعلية دون سقف التوقعات التي راهنت عليها الإدارات التنفيذية.
استثمارات كبيرة… وعوائد محدودة
هذا الواقع عكسته نتائج استطلاع حديث أجرته شركة الاستشارات العالمية “Teneo”، وشمل مئات الرؤساء التنفيذيين لشركات مدرجة حول العالم. وأظهر الاستطلاع أن الذكاء الاصطناعي، رغم حضوره المتنامي في استراتيجيات الشركات، لم يتحول بعد إلى محرّك ربح واضح في عدد كبير من الحالات.
وبحسب نتائج المسح، فإن أقل من نصف المشروعات القائمة حاليًا نجحت في تحقيق عائد مالي يفوق تكلفتها، ما يعكس فجوة واضحة بين الطموحات التقنية والنتائج العملية على أرض الواقع.
الإنفاق مستمر رغم التحديات
وبرغم هذه المؤشرات، لا يبدو أن زخم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد تراجع، إذ أفاد غالبية الرؤساء التنفيذيين المشاركين في الاستطلاع بأنهم يعتزمون زيادة الإنفاق على هذه التقنيات خلال عام 2026، استمرارًا لمسار بدأ قبل سنوات، وشهد ضخ استثمارات ضخمة أسهمت في تحريك الأسواق وتعزيز النشاط الاقتصادي عالميًا.
مكاسب أسرع في التسويق… وتعقيد في القطاعات الحساسة
توضح نتائج استطلاع “Teneo” أن أفضل العوائد تحققت عندما استُخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات ذات تأثير مباشر على الإيرادات، مثل التسويق وخدمة العملاء، حيث يسهل قياس الأداء وتحقيق قيمة مضافة خلال فترات زمنية قصيرة نسبيًا.
في المقابل، بدت الصورة أكثر تعقيدًا في القطاعات عالية الحساسية، مثل الأمن السيبراني، والشؤون القانونية، وإدارة الموارد البشرية. ففي هذه المجالات، لا يرتبط النجاح بالكفاءة التقنية وحدها، بل يتطلب التزامًا صارمًا بالحوكمة والدقة والامتثال، ما يجعل تحقيق العائد أبطأ وأكثر تعقيدًا.
اختلاف الرؤى حول توقيت العائد
ويكشف الاستطلاع عن فجوة في تقدير الزمن اللازم لجني ثمار الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بين المستثمرين والإدارات التنفيذية. فبينما يتوقع المستثمرون المؤسسيون نتائج ملموسة خلال أشهر قليلة، تتبنى الشركات الكبرى نظرة أكثر تحفظًا، معتبرة أن دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الأساسية يتطلب وقتًا أطول قبل أن ينعكس على الأرباح.
ويعكس هذا التباين طبيعة التحول ذاته، إذ يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تحولًا هيكليًا طويل الأمد، لا أداة سريعة النتائج، ويتطلب إعادة تصميم شاملة للعمليات ونماذج الأعمال.
سوق العمل… إعادة توزيع لا استبدال
بعيدًا عن المخاوف الشائعة بشأن فقدان الوظائف، تشير آراء الرؤساء التنفيذيين إلى سيناريو مختلف. فمعظمهم يرى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في خلق فرص عمل جديدة، خاصة في المستويات الوظيفية المبتدئة، إلى جانب زيادة الطلب على أدوار قيادية قادرة على إدارة التحول الرقمي.
ويعكس هذا التوجه قناعة بأن تأثير الذكاء الاصطناعي سيكون أقرب إلى إعادة توزيع للأدوار والمهارات، لا إلى إقصاء العنصر البشري.
حذر اقتصادي وصفقات مرتقبة
وفي السياق الأوسع، أظهر استطلاع “Teneo” قدرًا من الحذر حيال آفاق الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار الضبابية المرتبطة بالتجارة الدولية والتوترات الجيوسياسية، رغم بقاء مستويات التفاؤل أعلى نسبيًا لدى الشركات الأصغر حجمًا.
أما على صعيد الصفقات، فتسود توقعات بانتعاش نشاط الاندماجات والاستحواذات خلال عام 2026، استكمالًا لموجة بدأت بالفعل. ووفق بيانات “Dealogic”، ارتفعت قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ العالمية بأكثر من 40 في المئة خلال العام الجاري، ما يعكس استمرار شهية الشركات لإعادة التموضع والتوسع في بيئة عالمية متغيرة.
