جيمس روبين – داريان فويتسا
في يونيو الماضي، تلقى الحساب الآمن على تطبيق “سيغنال” الخاص بوزير خارجية أوروبي رسالة نصية. المرسل ادعى أنه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ولديه طلب عاجل. بعد وقت قصير، تلقى وزيرا خارجية آخران، وحاكم أميركي، وعضو في الكونغرس الرسالة نفسها، وهذه المرة مرفقة بمذكرة صوتية متقنة تقلد صوت روبيو. وعلى رغم أن الاتصال بدا حقيقيًا، ونبرته مطابقة لما يُتوقع من مسؤول رفيع، فإنه كان في الواقع تزويرًا خبيثًا – تزييفًا عميقًا أُنشئ بالذكاء الاصطناعي من قبل جهات مجهولة. لو لم تُكشف الخدعة، لكان بإمكان هذه الحيلة إثارة الفوضى، أو تقويض الدبلوماسية الأميركية، أو انتزاع معلومات حساسة من شركاء واشنطن الأجانب.
لم يكن هذا المثال الأخير المقلق على تمكين الذكاء الاصطناعي لجهات خبيثة في شن حرب معلومات، أي التلاعب بالمعلومات وتوزيعها لتحقيق مكاسب على حساب الخصوم. ففي أغسطس “آب” الماضي، كشف باحثون في جامعة فاندربيلت أن شركة تكنولوجيا صينية تُدعى “غولاكسي” استخدمت الذكاء الاصطناعي لبناء ملفات بيانات عمن لا يقل عن 117 مشرعًا أميركيًا وأكثر من 2000 شخصية عامة أميركية. يمكن استخدام هذه البيانات لإنشاء شخصيات مزيفة تبدو واقعية، تُحاكي تلك الشخصيات، وتصمم حملات رسائل تستهدف السمات النفسية لمتابعيهم. هدف “غولاكسي”، الذي ظهر في حملات موازية في هونغ كونغ وتايوان، هو تطوير القدرة على بث ملايين الأكاذيب المخصصة لملايين الأفراد في وقت واحد.
ولا تمثل المعلومات المُضللة مشكلة جديدة، لكن دخول الذكاء الاصطناعي سهّل بشكل كبير، بالنسبة إلى أطراف فاعلة خبيثة، تصميم عمليات متزايدة التأثير، وبتكلفة منخفضة، مع نشرها على نطاق واسع تمامًا. وفي مواجهة ذلك، يُفترض بالحكومة الأميركية توسيع أدواتها وتحديثها للكشف عن هذه الحملات وإيقافها. بدلًا من ذلك، قامت إدارة ترمب بتجريد نفسها من وسائل الحماية، وقلّصت دفاعات الولايات المتحدة ضد التضليل الأجنبي، تاركة البلاد غير مهيأة تمامًا لمواجهة هجمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي. ما لم تعاود الحكومة الاستثمار في المؤسسات والخبرات اللازمة لمواجهة حرب المعلومات، فإن حملات التأثير الرقمية ستقوّض تدريجيًا ثقة الجمهور بالمؤسسات الديمقراطية وعملياتها وقيادتها – مما يهدد بدفع الديمقراطية الأميركية نحو موت بطيء عبر ألف طعنة.
عصر المعلومات
أثناء معظم الأزمنة الحديثة، اعتبر عديدون من مؤيدي الديمقراطية أن نشر المعلومات يشكل قوة تعمل لمصلحة الخير بشكل خالص. واشتُهر الرئيس الأميركي باراك أوباما بصياغة هذه القناعة ضمن خطاب ألقاه أمام طلبة صينيين في شنغهاي عام 2009. آنذاك، أورد أوباما أن “كلما زاد التدفق الحُر للمعلومات، يضحى المجتمع أقوى، لأن ذلك يعطي مواطني كل بلاد العالم القدرة على مساءلة حكوماته وتحميلها مسؤولياتها”. وسرعت منصات التواصل الاجتماعي نشر المعلومات، وسهلت للمواطنين مراقبة ومناقشة وزيادة الوعي، حيال نشاطات الحكومات. لكنها في المقابل قوّضت الثقة العامة بالمؤسسات وخلقت فقاعات رقمية مغلقة من خلال المحتوى المخصص وخوارزميات قائمة على تعزيز التفاعل، مما حدّ من الاطلاع على وجهات نظر متنوعة وعمّق الانقسام بين المستخدمين.
في السنوات القليلة الماضية فقط بدأ العالم يدرك أخيرًا مدى خطورة التهديدات الصادرة عن الفضاء الرقمي للمعلومات. ففي خطاب ألقاه في أكتوبر “تشرين الأول”، ربط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين استغلال التكنولوجيا والتراجع الديمقراطي. وأكد أن أوروبا كانت “ساذجة بشكل لا يصدق” عندما أوكلت “فضاءها الديمقراطي إلى شبكات اجتماعية تتحكم بها إما شركات أميركية كبرى أو شركات صينية ضخمة”. أما عالم السياسة فرنسيس فوكوياما فقد وصف هذا الفضاء العام الرقمي بأنه “نظام بيئي يكافئ الإثارة والمحتوى التخريبي” ويتحكم به “نفوذ غير مُقيد” لشركات يدفعها “منطق تعظيم الأرباح” إلى تضخيم أصوات معينة أو خنق أخرى، وهو ما يتعارض جوهريًا مع مبادئ الديمقراطية.
المصدر: إندبندنت عربية





