مستقبل العمل في ظل الذكاء الاصطناعي.. وظائف جديدة تولد من رحم التقنية

الصّفوة – الأخبار

وسط التحولات المتسارعة في عالم العمل، تشهد الولايات المتحدة طفرة غير مسبوقة في الوظائف المستحدثة بفعل الذكاء الاصطناعي، إذ تؤكد صحيفة واشنطن بوست أنّ الموجة التقنية الجديدة لم تكتفِ بإلغاء بعض الوظائف التقليدية، بل خلقت في المقابل 16 وظيفة جديدة لم تكن موجودة من قبل، في مؤشرٍ على تغيّر طبيعة سوق العمل مع تسارع تبنّي الشركات لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

مسمّيات جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي

من بين الأدوار الوظيفية الحديثة التي ظهرت مؤخرًا: “مهندس تنسيق الأنظمة”، و”مصمم المحادثات”، و”مهندس التعاون البشري مع الذكاء الاصطناعي”، و”مهندس معرفة”؛ وهي وظائف لم تكن معروفة قبل سنوات قليلة، إلا أنّها باتت اليوم مطلوبة بشدة في الشركات الكبرى.

وتشير الصحيفة إلى أنّ مؤسسات عملاقة مثل “وولمارت”، و”سيلزفورس”، و”وركداي”، و”كيه بي إم جي”، تتسابق لإعادة هيكلة فرقها واستحداث وظائف جديدة تواكب ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تُعيد صياغة مهام وأدوار سابقة لتتناسب مع متطلبات المرحلة الرقمية الجديدة.

بين القلق والتكيّف: “عصر جديد من العمل”

ورغم تصاعد المخاوف من فقدان البشر لملايين الوظائف نتيجة الأتمتة، يرى خبراء سوق العمل أن ما يحدث اليوم يمثل بداية عصر جديد من التعاون بين الإنسان والآلة، إذ يتكامل الطرفان لتحقيق كفاءة أعلى وأداء أسرع.

وقال الباحث مارك مورو من معهد بروكينجز إن “ما نراه اليوم يعكس ديناميكية طبيعية لتقنية جديدة تكتسح الاقتصاد”، موضحًا أن بعض الوظائف المستحدثة قد تكون محدودة الأثر، في حين ستتوسع أخرى لتصبح ركيزة أساسية في أسواق العمل المستقبلية.

بيانات تكشف التحوّل المتسارع

ووفقًا لبيانات موقع “لينكدإن”، فإن نحو 20% من العاملين الأمريكيين اليوم يشغلون وظائف لم تكن موجودة في عام 2000، ومع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي تتسارع هذه التحولات بشكل غير مسبوق، حيث تظهر أدوار جديدة دون معايير موحدة لمسمياتها أو توصيفها، ويمكن أن يحمل الدور التقني الواحد أكثر من 40 مسمّى مختلفًا.

وقال كوري كانتينجا، رئيس قسم الاقتصاد في “لينكدإن” بأمريكا الشمالية، إن الذكاء الاصطناعي “كان موجودًا منذ فترة طويلة، لكن استخدامه اليوم أصبح أوسع من أي وقت مضى، ما يستلزم وظائف جديدة لتسهيل هذا التحوّل”.

ابتكار متواصل في الشركات التقنية

من جهتها، أكدت روث هيكن، نائبة رئيس قسم “ابتكار القوى العاملة” في شركة “سيلزفورس”، أن شركتها “تستحدث وظائف جديدة باستمرار”، موضحة أن ذلك ليس مجرد تحديث إداري، بل نتيجة مباشرة لتأثير التكنولوجيا في إعادة تشكيل سوق العمل.

وتشمل هذه الوظائف “مصمم المحادثات بالذكاء الاصطناعي”، الذي يبتكر لغة التفاعل وتدفق الحوار وشخصية الأنظمة الذكية، و”مهندس المعرفة”، الذي يزوّد الذكاء الاصطناعي بالخبرة البشرية الضرورية لفهم السياق وتنفيذ المهام بدقة، إضافة إلى “مصمم التفاعل”، المسؤول عن بناء نماذج الثقة والتعاون بين الإنسان والآلة، و”مهندس الفن بالذكاء الاصطناعي”، الذي يستخدم أدوات ذكية لإنتاج محتوى بصري يعكس هوية العلامة التجارية.

صعود مهندس المحفزات والوظائف الإشرافية

كما ازدادت أهمية وظيفة “مهندس المحفزات” التي ظهرت قبل عامين، وأصبحت من أكثر الأدوار طلبًا في شركات مثل “أدوبي”، حيث تتطلب خبرة في تصميم السيناريوهات الحوارية وتكييفها لتناسب تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة.

وإلى جانب الوظائف التقنية، برزت أدوار إشرافية مثل “قائد التعاون البشري مع الذكاء الاصطناعي”، الذي يضع استراتيجيات العمل المشترك بين الفرق البشرية والأنظمة الذكية، و”المسؤول الاستراتيجي عن تبني التقنيات”، المكلف بمواءمة الذكاء الاصطناعي مع هيكل الشركات وضمان تقبله من الموظفين، إلى جانب معرفته بأسس الأمان والأخلاقيات في التطبيقات الذكية.

توسّع في الأدوار التقنية المتخصصة

وفي القطاع التقني البحت، ظهرت وظائف متخصّصة مثل “مهندس الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي”، المسؤول عن وضع ضوابط الاستخدام الأخلاقي، و”مهندس التنسيق” الذي يربط الأنظمة المختلفة ويضع الحدود التشغيلية لها، إضافة إلى “مهندس الذكاء الاصطناعي” الذي يبتكر حلولًا ذكية قابلة للتوسع في القطاعات غير التقنية، و”مهندس بنية الذكاء الاصطناعي” الذي يصمم ويدير البنية التحتية لأنظمة التعلم الآلي والبيانات والسحابة الإلكترونية.

في النهاية، تُظهر هذه الطفرة أن مستقبل العمل لن يقوم على إحلال الآلة مكان الإنسان، بل على تآلفٍ متوازن بينهما، حيث يولّد الذكاء الاصطناعي فرصًا جديدة كما يغيّر ملامح المهن التقليدية. وبينما يخشى البعض من فقدان وظائفهم، يرى آخرون أن السوق تتجه نحو مرحلة أكثر ذكاءً ومرونةً، تقودها مهارات جديدة وأدوار لم تكن موجودة إلا في الخيال قبل عقدٍ واحدٍ فقط.

  • Related Posts

    “PENTERA” أداة متطورة لتعزيز الدفاعات السيبرانية واختبار جاهزية الأنظمة الرقمية باستخدام الذكاء الاصطناعي

    AI بالعربي – خاص تستخدم أداة “PENTERA” كمنصة متقدّمة في مجال التحقق الأمني الآلي “Automated Security Validation”، إذ توظّف الذكاء الاصطناعي لمحاكاة أساليب القراصنة بهدف تقييم جاهزية الأنظمة الرقمية دون…

    رئيس “سدايا”: الذكاء الاصطناعي بات قوة محركة لعصر جديد من التحول الرقمي

    AI بالعربي – متابعات أكد معالي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على الأبحاث الأكاديمية أو الخيال العلمي،…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    • أكتوبر 30, 2025
    • 64 views
    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 215 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    • أكتوبر 1, 2025
    • 304 views
    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    • سبتمبر 29, 2025
    • 315 views
    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    • سبتمبر 26, 2025
    • 262 views
    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

    • سبتمبر 24, 2025
    • 296 views
    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟