ماراثون المستقبل .. كيف يحرك الذكاء الاصطناعي نمو شركات التكنولوجيا الكبرى؟
AI بالعربي – متابعات
يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيشكل المحرك القادم لشركات التكنولوجيا العملاقة بعد خطوات فارقة في القطاع وتحركات محمومة لدمجه في أدوات مختلفة وتطبيقات متعددة.
ووفقا لشركة “نكست موف استراتيجي كونسلتينج” فإن سوق الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن يسجل نموا قويا في العقد القادم إذ ستنمو قيمته من نحو 100 مليار دولار بمقدار عشرين ضعفا إلى نحو تريليوني دولار بحلول 2030.
وتبدو الآفاق واعدة من الآن، إذ قال بنك الاستثمار الأمريكي “جولدمان ساكس” إن تقنية الذكاء الاصطناعي قد تساهم في قيادة أرباح المؤشر الرئيس “ستاندرد آند بورز 500” في السنوات العشر القادمة.
وقال “بن سنايدر” كبير المحللين الاستراتيجيين لدى “جولدمان ساكس” إنه على “مدى السنوات العشر القادمة، يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة الإنتاجية بمقدار 1.5% سنويا، وهذا من شأنه زيادة أرباح المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بواقع 30% أو أكثر على مدى العقد القادم”.
وأثار ظهور “شات جي.بي.تي” روبوت المحادثة المتطور الذي ابتكرته شركة “أوبن إيه.آي” عاصفة نارية من الاهتمام بالذكاء الاصطناعي وأثار حالة من الحماس الجديد بين المستثمرين المتحمسين لمحرك جديد لنمو الأرباح في وقت أدت فيه تكاليف الاقتراض المتزايدة ومشكلات سلاسل التوريد إلى انحسار التفاؤل.
وقال سنايدر “الكثير من العوامل المواتية التي أدت إلى نمو أرباح (المؤشر ستاندرد آند بورز 500) يبدو أنها تتراجع… لكن المصدر الحقيقي للتفاؤل الآن هو التحسينات الإنتاجية من خلال الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف “من الواضح لمعظم المستثمرين أن الفائزين بشكل مباشر هم في قطاع التكنولوجيا، السؤال الحقيقي للمستثمرين، من سيكون الفائز في المستقبل؟”.
وأشار إلى أنه “في عام 1999 أو 2000 خلال فقاعة التكنولوجيا كان من الصعب للغاية تخيل أن فيسبوك أو أوبر سيغيران الطريقة التي نعيش بها”.
جهود متسارعة
وقامت “مايكروسوفت” بدمج تقنية “تشات جي.بي.تي” في محرك البحث “بينج” التابع لها لتدخل في منافسة حادة مع جوجل الرائدة في سوق البحث عبر الإنترنت.
وبدأت “جوجل” من جانبها الإطلاق العام لبرنامجها للدردشة المعتمد على الذكاء الاصطناعي “بارد”.
كما أطلق قطاع الحوسبة السحابية في “أمازون ويب سيرفيس”، وهو الأكبر في العالم، مجموعة من التقنيات التي تهدف إلى مساعدة الشركات الأخرى على تطوير روبوتات الدردشة الخاصة بها بدعم من الذكاء الاصطناعي، كما “نشرت” الشركة نموذجا للذكاء الاصطناعي يمكنه انتقاء الكائنات الفردية من داخل الصور.
وقال “تياجو كابولسكيس” المحلل لدى “إيتاو بي.بي.آي” تعليقا على الخطوات المتسارعة صوب الذكاء الاصطناعي “إنه سلاح ذو حدين إلى حد ما لأن هناك ضغطا أيضا على تلك الشركات لتحسين التدفقات النقدية في اقتصاد يتباطأ”.
وأضاف “ثمة توقعات بأن الشركات يمكن أن تخلق أو تفعل المزيد باستخدام الذكاء الاصطناعي… كل مستثمر في قطاع التكنولوجيا يتوقع أن تكون تلك الشركات في الطليعة”.
وارتفعت أسهم “مايكروسوفت” و”ألفابت” نحو 20% منذ بداية العام. وزادت أسهم “أبل” و”أمازون” 26% و25% تقريبا على التوالي. وربحت أسهم “ميتا” نحو 70 بالمئة أو أكثر.
ذكاء صناعي مرارا وتكرارا
وفي المؤتمرات الهاتفية التي تعقدها كبرى الشركات مع المستثمرين بعد نتائج أعمال الربع الأول زادت الإشارات إلى الذكاء الاصطناعي والمصطلحات ذات الصلة به بأكثر من الضعف مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
وتسعى الشركات لإظهار أنها في طليعة البحث عن سبل لاستخدام الخوارزميات التي يمكنها تحليل كميات هائلة من المعلومات بناء على مطالبات أو صور بسيطة. ويعد الذكاء الاصطناعي أيضا بتغيير الطريقة التي تتم بها الأعمال بدءا من تعيين أو فصل الموظفين وحتى تهدئة العملاء الغاضبين في الدردشة عبر الإنترنت.
ووفقا لإحصاء أجرته “بلومبرج” تم ذكر المصطلح 1072 مرة حتى الآن من جانب الشركات المدرجة في مؤشر “إس آند بي 500” من “ميتا بلاتفورمز” و”مايكروسوفت” إلى “ألفابت” وحتى خارج قطاع التكنولوجيا، بزيادة نسبتها 77% على أساس سنوي.
“مايكروسوفت”
حققت مايكروسوفت نتائج أعمال قوية في الربع الأول من العام الجاري إذ تفوقت أرباحها على التوقعات بفضل زيادة المبيعات 9% فيما ارتفع صافي الدخل 9%.
وخلال المؤتمر الهاتفي لمناقشة نتائج أعمال الشركة ورد مصطلح الذكاء الاصطناعي ما لا يقل عن 50 مرة وذلك على لسان الرئيس التنفيذي للشركة “ساتيا ناديلا”.
أما المديرة المالية للشركة “إيمي هود” فقد أعلنت رهانا كبيرا على التكنولوجيا الجديدة. وقالت خلال مكالمة الأرباح “سنواصل الاستثمار في البنية التحتية السحابية الخاصة بنا، لا سيما الإنفاق المرتبط بالذكاء الاصطناعي حيث نوسع نطاق الطلب المتزايد الذي يحركه تحول العملاء”.
كما كررت الشركة تعهدها بمواصلة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من خلال حصتها البالغة 10 مليارات دولار في “أوبن إيه.آي”.
ويقول محللون إن “مايكروسوفت” تركز على ما يبدو على دفع الإيرادات للنمو على المدى الطويل من خلال الذكاء الاصطناعي. وبالفعل قام بعض المستثمرين برفع توقعاتهم لمايكروسوفت استنادا إلى الأداء القوي للحوسبة السحابية والتقدم المبكر الذي حققته الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي. ورفع كل من “بنك أوف أمريكا” و”ويد بوش” و”جيه.بي مورجان” السعر المستهدف للشركة.
ويرى محللون أن “مايكروسوفت” ليست الشركة الوحيدة التي تستفيد من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وبالتالي الحوسبة السحابية، ولكن في ظل شراكتها مع “أوبن إيه.آي” التي أثبت منتجها “شات جي.بي.تي” أنه النموذج الأكثر تطورا في السوق فإنها ستستفيد بشكل كبير من الاتجاه الصعودي للذكاء الاصطناعي.
جوجل
لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لشركة “جوجل” التي تكررت كلمة “الذكاء الاصطناعي” خلال المؤتمر الهاتفي لشركتها الأم “ألفابت” نحو 64 مرة، حيث استعرض الرئيس التنفيذي للشركة “سوندار بيتشاي” ابتكارات شركة التكنولوجيا العملاقة في القطاع.
وقال “بيتشاي” في بداية المؤتمر إن الشركة دمجت “علوم الكمبيوتر العميقة والذكاء الاصطناعي” في تحديثات منتجاتها هذا العام.
وبالفعل ارتفع السهم بنسبة 3% بفضل تلك الأنباء ليسجل زيادة 16% منذ بداية العام الجاري.
وتلك ليست المرة الأولى التي يصعد فيها سهم الشركة بفضل الذكاء الاصطناعي.
ففي 11 مايو ارتفعت أسهم “ألفابت” لأعلى مستوياتها منذ أغسطس بفضل ما أعلنته “جوجل” في قطاع الذكاء الاصطناعي خلال مؤتمر لمطوريها. وزاد السهم حينها 4.3 بالمئة مغلقا عند 116.57 دولار.
وقالت “جوجل” في ذلك الوقت إنها ستدمج الذكاء الاصطناعي في منتجها البحثي المميز لتحويل الاستفسارات المعقدة إلى إجابات بسيطة عبر الجمع بين نتائج من مصادر متعددة.
كما قالت الشركة إنها ستسمح لمستخدمي أدوات مثل “مستندات جوجل Google Docs” بإنشاء مستندات جديدة ووضع جداول بيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي مشيرة في الوقت ذاته إلى أنها ستجعل برنامج الدردشة الخاص بها “بارد إيه.آي” متاحا على نطاق أوسع مع تعزيز قدرته على الاستجابة للغات وصور مختلفة.
كان للحدث تأثير إيجابي من وجهة نظر المحللين لأنه سيبقي على جوجل في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي ويدر عائدات للشركة.
وقال “بريان نوفاك” المحلل لدى “مورجان ستانلي” إنه متفائل حيال الشركة ويرى أن المؤتمر ساهم في تضييق فجوة التقييم بين جوجل وأقرانها.
دفعة قوية
وأعرب الرئيس التنفيذي لشركة “أبل” تيم كوك عن تفاؤل حذر بشأن تدفق خدمات الذكاء الاصطناعي الجديدة، قائلا إنه على الرغم من امتلاكها إمكانات هائلة، إلا أن هناك أيضا عددا من المشكلات التي بحاجة إلى حل.
لكن “كوك” أشار بالفعل إلى أن “أبل” تستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي في معظم أنشطتها بما في ذلك خصائص مثل تحديد السقوط عبر الساعات الذكية. وأضاف أن الشركة ستواصل إضافة التكنولوجيا إلى المزيد من منتجاتها لكن على أساس “مدروس للغاية”.
“نفيديا” أيضا كانت من بين الشركات التي تلقت أسهمها دفعة قوية بفضل إعلانات الشركة عن تقدم وشراكات في مجال الذكاء الاصطناعي ما دفع أسهم الشركة العاملة في تصنيع الرقائق 88% منذ بداية العام.
وقالت “إكسبديا جروب” المتخصصة في تقديم خدمات السفر عبر الإنترنت والتي أعلنت ارتفاع إجمالي الحجوزات في الربع الأول إن أداءها تحسن عبر تسريع استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
وقالت شركة “مودرنا” لتصنيع العقاقير إن افتتاحها لمركز تكنولوجي في سياتل سيساعد في توسعة قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما قالت “كرافت هاينز” لتصنيع الأغذية إن الخوارزميات ساعدتها على تقليل معدل الهدر أثناء التصنيع.
وقالت “كوين بيز جلوبال” إنها تلقي نظرة فاحصة على الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن أن يؤثر على جميع قطاعات النشاط وفقا لمديرتها المالية “أليسيا هاس”. وتدرس أكبر بورصة أمريكية للعملات المشفرة كيفية تحسين تجارب العملاء بطريقة فعالة من حيث التكلفة.
تغييرات مالية
يقول محللون إن المستثمرين في وول ستريت يتأهبون لتغير جديد في الاتجاه المالي لقطاع التكنولوجيا وهو زيادة كبيرة في الإنفاق استعدادا للطفرة المأمولة للذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقال “أنجيلو زينو” كبير محللي قطاع التكنولوجيا لدى “سي.إف.آر.إيه للأبحاث” إن شركات التكنولوجيا الكبرى تشهد أرقاما ضخمة للنفقات الرأسمالية، مضيفا “لكننا نتوقع أن يوفر الذكاء الاصطناعي إضافات زائدة إلى الإيرادات في العامين المقبلين”.
وتشير النظرة العامة إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى استطاعت أن تخرج من فترة عدم اليقين الاقتصادي الأخيرة في الربع الأول في حالة جيدة بشكل يثير الإعجاب وذلك على الرغم من ارتباط أدائها بقطاعات شديدة التأثر بالدورة الاقتصادية مثل الإعلان والإنفاق على تكنولوجيا المعلومات.
وقال “جيم تيرني” رئيس استثمارات النمو الأمريكية لدى “آلاينس بيرنشتاين” إن شركات التكنولوجيا الكبيرة تتمتع بمتانة بشكل لا يصدق وأفضل بكثير مما كان متوقعا.
وأظهر وابل من أسئلة طرحها المستثمرون هذا الأسبوع حول الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه في حين أن التكنولوجيا الكامنة وراء “شات جي.بي.تي” لم تصبح مهمة بعد من الناحية المالية فإن وول ستريت تركز بالفعل على التكنولوجيا الجديدة.
وقال “نايجل جرين” الرئيس التنفيذي لمجموعة “ديفير” لإدارة الثروات إن المستثمرين يدرسون تفاصيل الذكاء الاصطناعي التي قدمها عمالقة التكنولوجيا في موسم الأرباح الجاري وربما أكثر من أي مسألة أخرى.
وما تلقاه المستثمرون من إجابات كان له انطباع إيجابي. وقال “آندي جاسي” رئيس أمازون إنه على الرغم من أن الإنفاق الرأسمالي الإجمالي سيتراجع هذا العام، إلا أن شركته ما زالت تعزز إنفاقها على مراكز البيانات ما يرجع جزئيا إلى ترقب لقفزة في الطلب يغذيها الذكاء الاصطناعي.
وقال “جاسي” إن قليلين يقدرون حجم الأعمال التجارية الجديدة لمجال الحوسبة السحابية التي ستنتج على مدار السنوات العديدة القادمة من الطوفان المنتظر القادم للتعلم الآلي.
وقالت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة إنها ستطور نماذج لغوية مستخدمة في روبوتات الدردشة والتي قال “جاسي” للمحللين إنها ستكلف “المليارات” وستستغرق “العديد من السنوات” لتطويرها.
وأضاف “سيكون هناك عدد محدود من الشركات التي ترغب في استثمار ذلك الوقت والمال، سنكون إحداها في أمازون”.
“ميتا”
ويقول المحللون إن “ميتا” المالكة لفيسبوك توقعت خلال المؤتمر الهاتفية مع المستثمرين أن تعزز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أداء أنشطتها.
وقالت “ميتا” إنها ما زالت متفائلة بشأن الذكاء الاصطناعي بعد أن تردد المصطلح 47 مرة خلال مؤتمرها الهاتفي مع المستثمرين، فيما ردد “مارك زوكربيرج” رئيس الشركة وحده المصطلح 27 مرة.
لم يقدم “زوكربيرج” رقما محددا حول تأثير استثمارات شركته في الذكاء الاصطناعي، لكنه أشار إلى أن للتكنولوجيا تأثيرا بالفعل. وكان من بين ذلك زيادة بنسبة 24% في أنشطة المشاركة على “إنستجرام” والتي نسبتها الشركة إلى حد كبير لخدمة الفيديوهات القصيرة الشبيهة بتيك توك والمعروفة باسم “Reels” والتي تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي.
كما قال “زوكربيرج” إن ميتا تستخدم الذكاء الاصطناعي لابتكار “أدوات إنشاء مرئية” لمستخدمي “إنستجرام”.
كما قال إن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي باتت “المحرك الرئيسي” للإنفاق المرتفع في السنوات الأخيرة، لكنه أكد أن الشركة ستواصل الاستثمار فيه مع نشوء نماذج جديدة.
تعزز هذه الإشارات الثقة في وول ستريت بأنه بينما تضخ الشركات المزيد من الاستثمارات في الموجة التالية من الذكاء الاصطناعي فإنها ستجد الكثير من الطرق لجني الأموال من التقنية الجديدة باهظة الثمن.
وقال “زينو” من “سي.إف.آر.إيه للأبحاث” إن “القوة التسعيرية لمايكروسوفت ستقفز بمجرد دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها… أعتقد أن ميتا أيضا قدمت شرحا رائعا بشان كيفية عمل الذكاء الاصطناعي اليوم وكيف يعمل على تحسين المحتوى، هذا على النقيض من ميتافيرس الذي لا يزال بعيد المنال”.
المصدر: أرقام