آلاف البشر يراجعون إجابات الذكاء الاصطناعي
AI بالعربي – متابعات
مع تصاعد فورة الذكاء الاصطناعي وانتشار روبوتات الدردشة مثل “ChatGPT” ومنتجات “جوجل”، يبرز سؤال جوهري: من يقف وراء تدريب هذه النماذج وتصحيح إجاباتها؟ ورغم الصورة السحرية التي تقدمها الشركات، يقف خلف الكواليس آلاف البشر الذين يراجعون الردود ويقيّمون جودتها.
تجربة شخصية تكشف المستور
رايتشل ساوير، كاتبة تقنية من ولاية تكساس الأميركية، روت كيف تلقت في ربيع 2024 عرض عمل عبر “لينكدإن” بوظيفة تحمل مسمى “محللة كتابة”. لكنها فوجئت في أول يوم عمل بأن مهمتها ليست إنتاج المحتوى، بل تدريب ومراجعة مخرجات الذكاء الاصطناعي. التحقيق الذي نشرته صحيفة “ذي غارديان” كشف تفاصيل دقيقة عن هذه التجربة.
مدربون في الظل
ساوير ليست حالة فردية، بل واحدة من آلاف العاملين المتعاقدين عبر شركات وسيطة مثل GlobalLogic. هؤلاء يُعرفون داخل الصناعة باسم “المقيّمين” أو “الريترز”، ووظيفتهم مراجعة إجابات أنظمة مثل “Gemini” التابع لجوجل أو منتجات “OpenAI”، وتصحيح الأخطاء وفق معايير دقيقة.
المهمة قد تبدو بسيطة: اختيار الرد الأنسب أو الإشارة إلى خطأ منطقي أو لغوي. لكن الواقع أكثر تعقيداً، حيث يقضي هؤلاء ساعات طويلة مع محتوى قد يكون صادماً، من نصوص عنيفة أو متحيزة إلى أسئلة حساسة في الطب والسياسة والقانون.
ضغوط العمل وتأثيراته النفسية
بحسب شهادات العاملين، تقلّصت المدة المخصصة لكل مهمة من نصف ساعة إلى 15 دقيقة فقط، ما يفرض ضغطاً زمنياً كبيراً على المقيّمين. فقراءة 500 كلمة وتدقيقها ومراجعة مصادرها خلال هذا الوقت يكاد يكون مستحيلاً. كثيرون تحدّثوا عن نوبات قلق وشعور بالذنب لأنهم يقيمون إجابات في قضايا مصيرية خارج نطاق خبرتهم.
إرشادات متغيرة وأخلاقيات على المحك
التوتر لا يقتصر على طبيعة العمل، بل يمتد إلى تغيّر السياسات. فقد خففت جوجل بعض القيود عام 2024، وأصبح مسموحاً للنظام إعادة إنتاج خطاب المستخدم حتى لو احتوى على عبارات جارحة أو محتوى حساس. هذا التغيير أثار جدلاً واسعاً حول حدود السلامة مقابل سرعة التطوير والمنافسة.
أجور محدودة أمام أرباح ضخمة
رغم أن هؤلاء المقيّمين يمنحون النماذج “لمسة بشرية” تجعلها أكثر دقة وقرباً من الواقع، فإن أجورهم تبقى متواضعة. ففي الولايات المتحدة يتقاضون ما بين 16 و21 دولاراً في الساعة، بينما تنخفض الأجور بشكل كبير في دول مثل كينيا وكولومبيا. وهو ما يثير تساؤلات حول التفاوت بين أرباح شركات الذكاء الاصطناعي الهائلة وتعويضات العاملين في الصفوف الخلفية.
الذكاء الاصطناعي ليس سحرًا
في نهاية المطاف، تكشف هذه الشهادات أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ثورة تقنية مستقلة، بل هو ثمرة جهد آلاف الأشخاص الذين يعملون بصمت بعيداً عن الأضواء. وكما قالت إحدى العاملات: “الذكاء الاصطناعي ليس سحراً، بل يعتمد على وقت وجهد بشر لا يراهم أحد”.