الذكاء الاصطناعي وتحديات العصر
نادية عبدالرزاق
بظهور الثورة الصناعية الرابعة أو ما يسمى بالثورة الرقمية Digital Smart Revolution المرتكزة على 3 ركائز أساسية هي: إنترنت الأشياء، البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي انتشرت برامج وآلات ولغات برمجية ذات مدلول خاص شهدت تحولاً كبيراً في علاقة الإنسان بتلك الأنظمة القادرة على التكيف مع المحيط الذي تعمل فيه عن طريق اتخاذ القرارات المناسبة دون الحاجة إلى البرمجة المسبقة، وصاحب ذلك أيضاً أنظمة حديثة لديها القدرة على التعامل مع محيطها باستقلالية تامة دون تدخل الإنسان وتم وصفها بأنها ذكية لما تتمتع به من ذكاء اصطناعي حل محل الذكاء البشري في العديد من المجالات.
تعددت تعريفات الذكاء الاصطناعي فقد عرفه ريتشارد بيلمان Richard Bellman بأنه التشغيل الآلي للأنشطة التي نربطها بالذكاء البشري، مثل صنع القرار وحل المشاكل والتعليم.
وتبنى أغلب الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي التقسيم الذي اتبعه جون سيرل john searl بتقسيمه إلى ذكاء اصطناعي ضعيف Weak Artificial intelligence تقوم الآلات والأنظمة التي تتأسس عليه بمجرد محاكاة السلوك الإنساني، وذكاء اصطناعي قوي Strong Artificial intelligence تقوم فيه الآلات أو الأنظمة أو البرامج بالسلوك الإنساني الذكي كالإنسان تماماً.
فالذكاء الاصطناعي هو علم يهدف إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق برنامج للحاسب الآلي قادر على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء وقدرات التفكير المنطقي الفريدة لدى الإنسان.
ويمثل التعلم الذكي فئة ضمن المجال الأوسع للذكاء الاصطناعي، وهو يختص بمنح الآلات القدرة على التعلم عن طريق استخدام خوارزميات يمكنها أن تكتشف الأنماط وتولد الأفكار انطلاقاً من البيانات التي تعرض عليها لتطبيقها على عمليات اتخاذ القرار والتنبؤات المستقبلية، وهي عملية تتجنب الحاجة إلى برمجة الخطوات بطريقة مخصصة لكل إجراء مستقل بمفرده.
سيطر مفهوم الذكاء الاصطناعي على جميع المجالات العلمية التقنية وحتى العلوم الإنسانية فالهواتف الذكية بين أيدينا وأجهزة التلفاز المتواصلة في بيوتنا خير دليل على ذلك، وأصبح من الطبيعي اليوم اقتناء أجهزة ذكية والتعامل ببرامج معلوماتية فائقة الذكاء، كما أن الذكاء الآلي في حد ذاته ليس بالعلم الجديد في العالم الأكاديمي ولا حتى التجاري، لكنه متداول كمفهوم جديد وزاد انتشار الأجهزة الرقمية المتصلة وظاهرة البيانات الضخمةBig Data ، حيث أصبح المرء وإن لم يكن متخصصاً في المعلوماتية يتحدث عن الذكاء الاصطناعي ويربطه عادة بالأجهزة التكنولوجية المبتكرة مع أنه ليس كل شيء مبتكر مرتبطاً حتماً بالقدرة على التفكير الذاتي.
ومما لا شك فيه أن فكرة الذكاء الاصطناعي الذي يقترن فيه عمل الآلات ذات التعلم العميق والذاتي هو ما دفع المشرع الأوروبي للتوصية بمنحها سمة الشخصية القانونية، لا لحمايتها في ذاتها فقط، ولكن لحماية المجتمع من الاستخدام غير العقلاني أو غير القانوني لها كون هذه الآلات لها وجود مادي ملموس ووجود عقلي موجه لا يمكن تجاهله، وعليه فيجب أن تتسم بشخصية قانونية متميزة تمكنها من تحديد طبيعة المسؤولية الناجمة عنها لا المسؤولية المترتبة عليها، أي تساعد على توضيح المسئولية القانونية التي يمكن أن تترتب على استخدامها ووجودها في المجتمع والتي لا يشترط أن تكون هي المسؤولة عنها.
بيد أن القدرة التحويلية للذكاء الاصطناعي تجلب معها تحديات معقدة، بدءاً من قضايا الثقة، ومروراً بالمخاطر الأمنية، ووصولاً إلى الشواغل بشأن تفاقم أوجه عدم المساواة وإلى الأثر المهول للذكاء الاصطناعي على العمالة، حيث يعد الذكاء الاصطناعي قاطرة التطور البشري القادم فلا يمكن إغفال المميزات التي يقدمها لخدمة البشر على كافة المستويات الشخصية والطبية والصناعية والتجارية، بل إن تطويره في كثير من المجالات يهدف في الأساس إلى حماية البشر والحفاظ على أرواحهم، مثل استخدام الإنسان الآلي في الأعمال الشاقة والخطرة وفي ميادين المعارك العسكرية، كما أنه قادر على متابعة الحالة الصحية للمرضى وتوفير المساعدة لذوي الإعاقة وغير ذلك من الاستخدامات الضرورية.
وفي المقابل هناك العديد من الآثار السلبية التي تنشأ نتيجة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، كالتهديدات الاقتصادية، حيث ستؤثر هذه التقنيات على حجم ونوعية الوظائف وفرص العمل المتاحة، فمن المتوقع أن يؤثر الروبوت بالسلب على الوظائف في مجال الصناعات التحويلية وصناعة السيارات والأدوات الكهربائية، فضلاً عن خدمة العملاء كذلك التداعيات الاجتماعية، حيث تؤدي زيادة التعامل مع الآلات إلى انفصال البشر تدريجياً عن محيطهم الاجتماعي البشري، وهو ما يفقد العلاقات الإنسانية مرونتها التقليدية، ويجعلها أكثر صلابة وجموداً، فتتحول طرق التفكير والتفاعلات البشرية من التعقيد المفيد إلى التنميط ولو كان منتجاً، ويصبح الهدف من العلاقات الإنسانية مادياً بعدما كان معنوياً بالأساس.
ولا ننكر أن تطوير الذكاء الاصطناعي ضروري لاستمرار رخاء البشرية، ولكن يجب تفادي سلبياته وتهديداته أيضاً، وذلك من خلال إنشاء آلية تنظيمية وأخلاقية تحكم عمل الذكاء الاصطناعي، وتساعد على تطويره وتفادي سلبياته أيضاً، وتحدد وظائفه ومهامه من ناحية أخرى، وذلك عبر صياغة قوانين تضمن الحفاظ على حقوق البشر الأساسية، مع تشجيع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي الصديق للإنسان، ووضع منظومة قيمية تحكم العلاقة بينهما في عصر قد تتفوق فيه الآلة على الإنسان.
وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول في المنطقة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في التطوير الشامل بكافة المؤسسات وتحديث آلية تقديم الخدمات الحكومية لتحسين الأداء الاستراتيجي وصناعة فرص مستقبلية، وذلك انطلاقاً من حرص القيادة الرشيدة على تحقيق الريادة بكافة المجالات، وعدم التقيد بالطرق التقليدية، وهذا ما تبين جلياً بظهور جائحة كورونا العالمية، حيث كشفت لنا هذه الأزمة جاهزية كافة القطاعات في الدولة للعمل عن بعد سواء من حيث البنية التحتية التكنولوجية المتطورة التي تملكها الدولة أو من حيث استشراف الحكومة للمستقبل من خلال رؤيتها الاستباقية وخططها المستقبلية لمواكبة التطورات العالمية.
وبالرغم من المزايا العديدة للذكاء الاصطناعي، إلا أنه يثير العديد من الإشكاليات والتحديات، لا سيما فيما يتعلق بمدى ملاءمة التشريعات والقوانين الحالية وقدرتها على استيعاب الخصائص الفريدة لهذه التكنولوجيا، ومن الناحية الفنية والتقنية نجد أن الذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى مرحلة الكمال القصوى ولا تزال برامجه عرضة للإصابة بالقرصنة والأعطال التقنية، مما يجعله في بعض الأحيان يعمل بطريقة غير متوقعة، وتترتب عليه أضرار بالغة.