كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج التعليمية والدراسية للأجيال القادمة؟

13

AI بالعربي – متابعات

المناهج التعليمية والدراسية جزء من منظومة كبيرة هي التعليم، والتعليم أساس لمنظومة أكبر. فالتعليم الذي هو قناة لصنع التلميذ ثمَّ الطالب، تصبح المناهج الدراسية التي يتعلمها واحدة من أهمِّ آليات إعداده. ففي ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التي تواجهها الأجيال القادمة، والتي أصبحت المعلومات فيها متاحة بسهولة، بات من الضروري تحديث المناهج. ومع ذلك، تظل المعلومات الحديثة بحاجة إلى منهج يضبط سيرها ويحدد كيفية استخدامها وتنظيمها.

وبطبيعة الحال صار الذكاء الاصطناعي واقعًا في كثير من المجالات، التي منها المناهج التعليمية والدراسية، والتي صارت في حاجة لمضمون أكثر انفتاحًا وأوسع مجالًا لشمول الجديد والعديد من الظواهر والمستجدَّات، ولكن كيف يتسنَّى ذلك؟

إن الاعتماد العشوائي على آليات وبرامج الذكاء الاصطناعي ليس أمرًا إيجابيًا، إذ يرافقه مخاطر عديدة، مثل تضليل المعلومات، والتي قد تُستخدم بشكل خاطئ أو يتم اختزالها بطريقة لا تضيف قيمة. لذا، في هذا المقال، نستعرض كيف يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج والمحتويات المقدمة للأجيال القادمة، سواء في الأنظمة التعليمية الأساسية للطلاب في المراحل الدنيا أو التوجيهية، أو في مراحل التعليم الأكاديمي المختلفة بعد الجامعة.

تاريخ مصطلح المنهج

مصطلح “منهاج الدراسة” أو “Curriculum” له جذور لاتينية قديمة، حيث كان يعني في الأصل “مسار السباق” أو “الجري إلى الأمام”، ومشتق من الفعل اللاتيني “currere” الذي يعني “يركض”. وتطور استخدام المصطلح في السياقات التعليمية خلال القرن السادس عشر، حيث استخدمه الأستاذ بيتروس راموس في كتابه “Professio Regia” بعد وفاته عام 1576. وانتشر المصطلح تدريجيًا ليظهر في سجلات جامعة لايدن عام 1582، ويرتبط هذا الاستخدام بالرغبة الكالفينية في تحسين النظام التعليمي.

بحلول القرن السابع عشر، تبنته جامعة غلاسكو لوصف المقرر الدراسي الخاص بها، مما أدى إلى أول استخدام معروف للمصطلح باللغة الإنجليزية عام 1633. وفي القرن التاسع عشر، أصبح المصطلح شائعًا في الجامعات الأوروبية للإشارة إلى البرنامج الدراسي الكامل. ومع حلول عام 1824، تم تعريف “المناهج الدراسية” على أنها الدورة التعليمية المعتمدة في الكليات والجامعات.

الذكاء الاصطناعي وتطوير المناهج التعليمية

تحتاج الأجيال القادمة إلى التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب تحديث المناهج لتكون أكثر تطورًا، خاصة في مجالات العلوم الطبيعية والرياضية، بالإضافة إلى المنهجيات الحديثة التي تتغير باستمرار. على سبيل المثال، تختلف أبحاث التراث العلمي في مجالات مثل الطب والهندسة بشكل كبير عما كانت عليه قبل عشر سنوات، نظرًا للتطورات المستمرة التي تحدث في كل لحظة.

في السنوات الأخيرة، كان لنماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة تأثير عميق على العديد من مجالات الحياة، بما في ذلك التعليم والبحث التربوي. ومن أبرز هذه النماذج هوChatGPT، الذي تم تطويره بواسطة .OpenAI يوفر هذا النموذج العديد من الفرص المثيرة للطلاب والمعلمين، مثل إمكانية إضافة التعليقات الشخصية، وزيادة الوصول إلى المعلومات، وإجراء محادثات تفاعلية، بالإضافة إلى إعداد الدروس والتقييم وطرق جديدة لتدريس المفاهيم المعقدة.

دور رقمنة الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج

تتزايد أهمية توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المناهج التعليمية بشكل عام، حيث تؤدي دورًا فعالًا في تطوير المناهج لمختلف المراحل الدراسية، بما يلي:

1- تعزيز الابتكار والإبداع: يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الطلاب على تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي من خلال توفير تقنيات جديدة وتجارب تعليمية مبتكرة.

2- تحسين كفاءة التدريس: يسهم الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الطلاب وتقديم ملاحظات شخصية، مما يساعد المعلمين على تحسين الأداء التعليمي وتوجيه الطلاب بشكل أفضل.

3- توسيع الوصول إلى التعليم: من خلال إزالة الحواجز المادية والاقتصادية، يساعد الذكاء الاصطناعي في جعل المعرفة متاحة للجميع دون الحاجة إلى موارد مكلفة.

إفادة الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج

– تحرير المعلمين من المهام الإدارية: يسهم في إتمام الأعمال الروتينية مثل تصحيح الاختبارات وتقييم الواجبات.

– خدمات تعليمية مخصصة: يقدم محتوى مخصصًا للطلاب حسب احتياجاتهم وقدراتهم.

– تحديث المناهج تلقائيًا: يواكب التطور المعرفي بسرعة ويحدث الدروس بشكل دوري.

– دعم الطلاب خارج الصف: يوفر مساعدات تعليمية فردية حسب نقاط القوة والضعف لكل طالب.

لكن، لكي يكون هناك استفادة كُبرى من آليات الذكاء الاصطناعي في عملية تحديث المناهج واطِّلاع الجديد منها، لا بدَّ من توافر شروط نجاح لهذه الآلية مثل: “توافر بنية تحتية قوية، وشبكة إنترنت، ومعدات رقمية، وتدريب الموظفين وحماية البيانات. والاستفادة في التعليم التخصصي”، ويسهُل بعدها إمكانات نقل المعرفة والتدريب عن بُعد.

تحدِّيات الذكاء الاصطناعي وعمليات المنهجة

– فقدان التواصل الاجتماعي والارتباط بين الطلاب والمعلمين.

– ربما يلغي استخدام الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى التدريس وجهًا لوجه، حيث يمكن للمتعلمين اكتساب المعرفة بشكل مستقل عن الزمان والمكان. ونتيجة هذا التعلم المستقل هي أن يكتسب التلاميذ المعرفة من المنزل، وبالتالي يتم فقد الاتصالات الشخصية والمدرسية.

– نتيجة لذلك، قد يُفتقد نقل معايشة الواقع والخبرة، لا سيَّما في ظل اعتماد كلِّي على هذه المنظومة.

– التأثير على دور المعلِّم الذي قد يختلط الفهم لدى الكثير من الأنظمة لان يكون ناقلاً فقط للمعرفة. وقد تبدو هذه إشكالية من إشكاليات ما بعد إعداد المناهج. فالمعلِّم جزء أصيل من إتمام العملية التعليمية التي تشمل إعداد المناج والتدريس.

– يصاحب نموذج الذكاء الاصطناعي تهديدات مختلفة لنظام التعليم والبحث التقليدي، بما في ذلك إمكانية الغش في الاختبارات عبر الإنترنت، وتوليد نص علمي شبيه بالنصوص التي يجتهد الإنسان كثيرًا للوصول إليها، وتضاؤل مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، وصعوبات تقييم المعلومات التي تم الحصول عليها بواسطة هذا النموذج المهدِّد لمنظومة التعليم العام.

– قيود ذات منحى أيديولوجي ثقافي، فلا بدَّ من توافقية في اعتماد المنهج العلمي، لا سيَّما إن كان ذا بعدٍ ديني أو إنساني تاريخي. وهذا لا يتوافر بشكل كامل في ظل صراعات فكرية لم تزل موجودة، وتنقسم بين مطالبات سياسية وقومية مختلفة.

– قيود على البُعد التشريعي، فما زالت الكثير من التشريعات في بلادنا – بالرغم من التطوير الحاصل فيها – تلتزم بنصوص قد تتضارب مع هذه المنظومة الحديثة، فيحدُث الخلط، وتتولَّد سياسات تعليمية متضاربة.

من هنا، يتضح لنا كيف يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج التعليمية من خلال نظام متوازن ومنضبط، لا تحكمه قوى أو أقطاب معينة. ويركز هذا النظام على مسائل محددة، مثل تحسين كفاءة المعلمين، وتقليل الأعباء الإدارية، مما يتيح المزيد من الوقت للتدريس. كما يساهم في تخصيص الدروس وفقًا لاحتياجات الطلاب وتعزيز الفهم والدعم التشاركي. ومع ذلك، يجب مواجهة متطلبات هذه التقنيات من خلال وجود بنية تحتية قوية، مثل اتصال إنترنت سريع، وهو ما لا يتوفر بشكل كافٍ في العديد من الدول النامية التي تواجه تحديات في هذا المجال.

اترك رد

Your email address will not be published.