AI بالعربي – متابعات
لم يعد النقد يُقال بصوت مرتفع كما كان. في زمن النماذج الذكية، يحدث التوجيه في الخفاء، وتُمارَس التغذية الراجعة دون كلمات صريحة أو ملاحظات مباشرة. لا أحد يخبرك بأنك أخطأت، ولا تُواجَه برفضٍ واضح، لكن شيئًا ما يتغيّر في الخلفية: ما تراه أقل، ما يُقترح عليك أكثر، وما يُدفَع إلى الهامش بصمتٍ كامل. هنا، يصبح الصمت لغة، وتتحول التغذية الراجعة إلى مسار غير مرئي يعيد تشكيل السلوك دون مواجهة.
في البيئات الرقمية الحديثة، تُفضّل الخوارزميات النقد الهادئ. لا تقول لك “هذا ضعيف”، لكنها تقلّل انتشاره. لا تُصرّح بأن هذا الرأي غير مرغوب، لكنها لا تُكافئه. ومع الوقت، يتعلّم المستخدم—دون أن يُدرِك—ما الذي “ينجح” وما الذي يجب تجنّبه. إنها تربية بلا توبيخ، وتوجيه بلا عتاب.

من النقد العلني إلى الإشارة الخفية
في النظم التقليدية، كان النقد فعلًا اجتماعيًا ظاهرًا: ملاحظة، تقييم، نقاش. أما في النماذج التنبؤية، فالنقد يتحول إلى إشارة احتمالية. تُقاس الأفعال لا لتُدان، بل لتُعدّل. كل تفاعل يصبح بيانات، وكل بيانات تصبح وزنًا يُضاف أو يُخصم.
يعلّق أحد باحثي علم السلوك الرقمي قائلًا: “الآلة لا تقول لك ما الخطأ، لكنها تعلّمك ما الذي لن يُكافأ.” هذه الجملة تلخّص تحوّلًا عميقًا في طبيعة التعلّم. فبدل المواجهة، هناك تكيّف. وبدل الحوار، هناك تحسين صامت للمخرجات.
التعلّم دون إحراج
ميزة الصمت أنه لا يُحرج. المستخدم لا يشعر بأنه وُبِّخ، ولا يُجبر على الدفاع عن نفسه. هذا يجعل التوجيه أكثر سلاسة، لكنه أيضًا أكثر تغلغلًا. حين لا نُواجَه بالنقد، نفقد فرصة التفكير فيه. نعدّل سلوكنا لأن النتائج تغيّرت، لا لأننا فهمنا السبب.
هذا النمط من التغذية الراجعة يُشبه نظام مكافآت غير مُعلن. النجاح يُقاس بالظهور، بالفوز بالانتباه، بالانتشار. والفشل؟ يُقاس بالغياب. ومع الوقت، يصبح الغياب رسالة أقوى من أي تعليق.

الصمت كأداة ضبط
حين تختار النماذج الصمت، فهي لا تكون محايدة. الصمت هنا قرار تصميمي. عدم النقد العلني يقلّل الصدام، ويحافظ على تجربة “إيجابية”. لكنه أيضًا ينقل سلطة التقييم من المجال العام إلى داخل الخوارزمية.
هذا التحوّل يطرح سؤالًا أخلاقيًا: من يحدّد معايير “الجودة” حين لا تُناقَش؟ وما الذي يحدث للنقاش العام عندما يُستبدل الجدل بتعديل خفي في الترتيب والاقتراح؟

لوحة تحكم خوارزمية تُعيد ترتيب الأولويات بصمت
التكيّف بدل التطوّر
التغذية الراجعة الصامتة تُشجّع على التكيّف السريع، لا على التطوّر العميق. المستخدم يتعلّم ما الذي يعمل الآن، لا ما الذي ينبغي تحسينه. الإبداع، في هذا السياق، يصبح رهين الاستجابة الفورية للمؤشرات، لا لمسار نقدي طويل.
يرى بعض المفكرين أن هذا النمط يُنتج محتوى “آمنًا”، لكنه يُضعف الجرأة. فحين لا يُكافَأ المختلف، يتراجع تلقائيًا. وحين لا يُنتقَد علنًا، لا يجد فرصة للدفاع أو التفسير.
هل التغذية الراجعة الصامتة أفضل من النقد المباشر؟
هي أقل إزعاجًا، لكنها أقل شفافية.
كيف تؤثر على المستخدمين؟
تدفعهم للتكيّف دون وعي كامل بالأسباب.
هل تُضعف الحوار العام؟
قد تفعل، لأنها تُقلّل المواجهة العلنية للأفكار.
هل يمكن استعادة النقد الصريح؟
نعم، عبر تصميمات تُظهر المعايير وتفتح باب النقاش.
كيف يحافظ الفرد على استقلاله؟
بفصل قيمته الذاتية عن مؤشرات المنصات.
في النهاية، الصمت ليس غيابًا للكلام، بل طريقة أخرى للقول. النماذج الذكية لا تنتقدك علنًا لأنها لا تحتاج إلى ذلك. يكفيها أن تُغيّر البيئة من حولك، فتتغيّر أنت. وبين راحة عدم التوبيخ وخطر التوجيه الخفي، يقف المستخدم أمام سؤال بسيط وعميق: هل أختار ما أفعله، أم أستجيب لما لا يُقال؟
اقرأ أيضًا: التبسيط المُفرط كمخدر ثقافي








