AI بالعربي – متابعات
لا يحدث التواطؤ دائمًا عبر اتفاق صريح أو قرار واعٍ. أحيانًا، يتشكّل ببطء، عبر اعتياد يومي، وتنازلات صغيرة لا تبدو خطيرة في لحظتها. في علاقتنا بالخوارزميات، لا يُطلب منا أن نوقّع عقدًا، ولا أن نعلن ولاءً. يكفي أن نستمر في الاستخدام، أن نقبل الاقتراح، وأن نُعدّل سلوكنا قليلًا كي “تعمل الأمور بسلاسة”. هكذا يبدأ تواطؤ هادئ، لا أحد يفرضه، ولا أحد يعترف به.
الخوارزمية لا تُجبر المستخدم على شيء، لكنها تُكافئ الامتثال. كل مرة تتبع فيها المسار المقترح، تصبح التجربة أسهل. كل مرة تحيد، تصبح أقل راحة. ومع الوقت، يتعلّم المستخدم—دون وعي كامل—أن التعاون هو الطريق الأقل مقاومة. ليس لأن الخوارزمية على حق، بل لأن مخالفتها مُرهِقة.

من الاستخدام إلى الشراكة غير المعلنة
في البداية، العلاقة بسيطة: أداة تُستخدم لتحقيق غرض. لكن مع تطوّر الأنظمة التنبؤية، تتحوّل الأداة إلى شريك ضمني. الخوارزمية تتعلّم منك، وأنت تتعلّم منها. هي تُعيد ترتيب العالم من حولك، وأنت تُعيد ترتيب سلوكك ليتوافق مع هذا العالم الجديد.
يصف أحد الباحثين هذا الوضع قائلًا: “نحن لا نطيع الخوارزميات، نحن نتكيّف معها.” هذا التكيّف هو جوهر التواطؤ. لا أحد يأمر، ولا أحد يعترض. فقط سلسلة من التعديلات المتبادلة التي تنتهي بحالة استقرار تخدم النظام أكثر مما تخدم الفرد.
المكافأة كأداة إقناع
التواطؤ لا يُبنى بالعقاب، بل بالمكافأة. ظهور أكبر، تفاعل أعلى، تجربة أكثر سلاسة. هذه المكافآت الصغيرة تُشجّع المستخدم على الاستمرار في نمط معيّن. ومع تكرارها، يصبح النمط طبيعيًا، بل بديهيًا.
المشكلة أن هذه المكافآت لا تُعلن شروطها. المستخدم لا يعرف بالضبط لماذا نجح هذا المحتوى، أو لماذا اختفى ذاك. الغموض هنا ليس خللًا، بل جزء من التصميم. كلما قلّ الفهم، زاد الاعتماد.

التواطؤ دون نية
لا يستيقظ المستخدم يومًا ويقرّر أن يتواطأ. التواطؤ يحدث عندما تتطابق مصلحة الراحة مع مصلحة النظام. حين يصبح السؤال ليس: هل هذا ما أريده؟ بل: هل هذا أسهل؟ في هذا التحوّل، تفقد القرارات طابعها الأخلاقي، وتكتسب طابعها الوظيفي.
حتى النقد يصبح جزءًا من التواطؤ. ننتقد الخوارزميات، ثم نستخدمها بالطريقة نفسها. نشتكي من هيمنتها، لكننا نُكيّف خطابنا ليناسبها. هذا التناقض لا يعني نفاقًا، بل إرهاقًا. مقاومة النظام تتطلب طاقة لا يملكها الجميع.
إعادة تشكيل المسؤولية
في هذا التواطؤ الصامت، تتوزّع المسؤولية حتى تتلاشى. الخوارزمية تقول: أنا أتبع البيانات. المستخدم يقول: أنا أتبع ما يُقترح عليّ. وبينهما، لا أحد يتحمّل القرار بالكامل. هذه المنطقة الرمادية هي أخطر ما في العلاقة.
حين يحدث تأثير سلبي—استقطاب، تضليل، تكرار مفرغ—يصبح من الصعب تحديد الفاعل. التواطؤ هنا ليس تآمرًا، بل شبكة من الاعتياد المتبادل.

هل يمكن كسر هذا التواطؤ؟
كسره لا يعني الانسحاب الكامل، بل استعادة الوعي. أن نسأل لماذا يظهر هذا، ولماذا يختفي ذاك. أن نُدرك أن السهولة ليست دائمًا مؤشرًا على الصواب. لكن هذا الوعي نفسه مُرهِق، لأنه يطلب منا أن نكون حاضرين في نظام صُمّم ليعمل دون حضورنا الكامل.
بعض المفكرين يرون أن الحل ليس في مواجهة الخوارزميات، بل في إعادة تصميم العلاقة معها. علاقة تُظهر المعايير، وتُعيد للمستخدم جزءًا من السيطرة، حتى لو على حساب بعض الراحة.
هل التواطؤ مقصود من الخوارزميات؟
ليس بالضرورة، لكنه نتيجة منطقية لتصميمها.
هل المستخدم مذنب؟
ليس مذنبًا، لكنه شريك بحكم الاعتياد.
هل يمكن استخدام الخوارزميات دون تواطؤ؟
يمكن تقليل التواطؤ، لا إلغاؤه تمامًا.
ما أول خطوة للمقاومة؟
الوعي بأن الراحة ليست حيادية.
هل الشفافية تحل المشكلة؟
تخففها، لكنها لا تُنهيها.
في النهاية، التواطؤ بين المستخدم والخوارزمية لا يشبه صفقة سرية، بل يشبه تفاهمًا صامتًا: أنت تُسهّل عليّ حياتي، وأنا أسمح لك بأن تُعيد ترتيبها. وبين هذا الأخذ والعطاء، يختفي السؤال الأهم: من يقود من؟ وربما الأخطر من ذلك، أننا حين نبدأ في طرح السؤال، نكون قد اعتدنا الإجابة الضمنية بالفعل.
اقرأ أيضًا: التبسيط المُفرط كمخدر ثقافي








