AI بالعربي – متابعات
في قاعة تطل على قبة سانت بول في لندن، وعلى هامش جلسة FT Money السنوية، طُرح سؤال واحد سيطر على النقاش: هل وصلت شركات الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الفقاعة، أم أن السوق ما زال في بدايات تحول تاريخي أعمق؟
الأجواء الشتوية الهادئة لم تمنع سخونة الطرح. الصحفيون تحدثوا بوضوح عن مخاوف التقييمات، بينما أبدى مديرو الأصول ثقة أكبر. رغم التباين، اتفق الجميع على حقيقة واحدة. الرهان على الذكاء الاصطناعي هو الأكبر منذ الثورة الصناعية، بمخاطره وفرصه معًا.
تقييمات السوق بين الواقع والمبالغة
يرى خبراء أن المقارنة مع فقاعة الدوت كوم ليست دقيقة. في عام 2000، ارتكزت التقييمات على توقعات بلا أرباح. اليوم، تعتمد الشركات الكبرى على تدفقات نقدية حقيقية ونماذج أعمال واضحة.
يشير سيمون إديلستن من شركة غوشوك لإدارة الأصول إلى أن سهم إنفيديا يتداول عند مضاعف أرباح يقارب 25 مرة. هذا الرقم مرتفع، لكنه بعيد عن مستويات الجنون السابقة. أما شركات مثل أمازون ومايكروسوفت، فتتحرك ضمن نطاق العشرينات، وهو مستوى يعتبر مقبولًا في أسواق النمو.
الطلب المتسارع يعيد رسم المعادلة
تؤكد نيام برويدي ماشورا من فيديليتي إنترناشونال أن الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي يتجاوز العرض الحالي. هذا الخلل يمنح الشركات قوة تسعير واضحة، ويعزز فرص التوسع السريع.
من زاوية أخرى، يرى محللو جي بي مورغان أن سوق السندات لا تعكس حالة هلع. رغم الإصدارات الكبيرة من شركات مثل ميتا وألفابيت، ما زالت العوائد مستقرة، وهو مؤشر يضعف فرضية الفقاعة القريبة.
إشارات متضاربة تثير القلق
رغم الإيجابيات، لا تخلو الصورة من علامات استفهام. الصحفية كاتي مارتن من فايننشال تايمز أشارت إلى ما وصفته بطبقة من الرغوة في السوق. استشهدت بقفزات غير منطقية في أسهم شركات لا ترتبط مباشرة بالذكاء الاصطناعي.
زيارة رئيس إنفيديا لمطعم في سيول رفعت أسهم سلسلة مطاعم دجاج بنسبة كبيرة. كما قفز سهم مورد دجاج محلي بشكل مفاجئ. هذه التحركات تعكس سلوكًا مضاربيًا لا يمكن تجاهله.
تحذيرات من تكرار التاريخ
المستثمر ستيوارت كيرك عبّر عن موقف أكثر تشددًا. أكد أن عبارة “الأمر مختلف هذه المرة” تكررت في كل الفقاعات السابقة. في رأيه، لم يكن الاختلاف حقيقيًا يومًا. لهذا السبب، خرج من الأسهم واتجه إلى السيولة.
هذا الرأي يعكس مخاوف شريحة من المستثمرين، خاصة مع تسارع تدفق الأموال نحو شركات الذكاء الاصطناعي دون تمييز دقيق.
ما العوامل القادرة على تفجير الفقاعة؟
المخاطر لا تتوقف عند التقييمات. التضخم يظل تهديدًا رئيسيًا للسنوات المقبلة. أي عودة لرفع أسعار الفائدة قد تضغط بقوة على أسهم النمو، كما حدث في أزمات سابقة.
هناك أيضًا عوامل سياسية مؤثرة. الحديث عن تعيين شخصيات ذات توجهات سياسية واضحة في مواقع نقدية حساسة يثير قلق الأسواق. استقلالية السياسة النقدية تبقى عنصرًا حاسمًا لاستقرار الاستثمار.
إضافة إلى ذلك، يطالب المستثمرون بعائدات ملموسة من استثمارات الذكاء الاصطناعي. النماذج منخفضة التكلفة القادمة من الصين، مثل DeepSeek، تضيف ضغطًا تنافسيًا جديدًا على الشركات الأميركية.
كيف يمكن للمستثمر إدارة المخاطر؟
تباينت آراء الخبراء حول أفضل استراتيجيات الحماية. يرى البعض أن التنويع الجغرافي نحو أوروبا واليابان أثبت فعاليته خلال 2025. آخرون يفضلون الأسهم الدفاعية ذات التدفقات المستقرة.
برزت السندات الحكومية مجددًا كملاذ محتمل. كما عاد الذهب إلى دائرة الاهتمام، رغم التحذير من أن اندفاع الأفراد نحوه قد يكون إشارة مبكرة لمبالغة جديدة.
الذكاء الاصطناعي بين التحول التاريخي والاختبار الحقيقي
يتفق الجميع على أن الذكاء الاصطناعي ليس موجة عابرة. هو تحول هيكلي يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي. لكن سرعة التسعير تفرض اختبارًا قاسيًا على الأسواق.
بين من يراه أعظم فرصة منذ الثورة الصناعية، ومن يخشى فقاعة جديدة، يبقى عام 2026 محطة مفصلية. القرار الاستثماري لن يكون سهلًا، وسيحتاج إلى توازن دقيق بين الطموح والحذر.








