“علاء الدين”.. “جنيّ” الذكاء الاصطناعي المخيف الذي يتحكم في استثمارات تريليونية
AI بالعربي – متابعات
“بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، وشركة “مايكروسوف”، وشركة “أبل” وشركة “ألفابيت” وصندوق التقاعد الياباني (الأكبر في العالم) وبنوك مركزية وشركات إدارة أصول وصناديق تحوط ومتعاملين في البورصة”.
هذه أسماء رنانة في سماء الاقتصاد العالمي، ولكن الواقع أنها قائمة بـ”بعض” عملاء أحد أهم أنظمة الذكاء الاصطناعي لإدارة الأصول والأموال: “علاء الدين” (ALADDIN).
ما هو “علاء الدين”؟
“علاء الدين” هو نظام ذكاء اصطناعي، أو “روبوت”، مملوك لشركة “بلاك روك” ويهدف بالأساس إلى تقليل مخاطر الاستثمار وزيادة عائداته من خلال تحليل الروبوت للبيانات المتاحة وإصدار توصيات تتيح للمستثمرين تحقيق أهدافهم في السوق.
وتشير التقديرات إلى أن “علاء الدين” يتحكم في أصول بقيمة 21 تريليون دولار، ولتوضيح حجم ما يتحكم فيه الروبوت من أصول يكفي القول بأن حجم الاقتصاد الأمريكي يتراوح حول 20 تريليون دولار وحجم اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي حول 15 تريليون دولار.
ولتوضيح مدى ضخامة الاستثمارات التي يسهم “علاء الدين” في إدارتها أيضًا يكفي الإشارة إلى أن حجم الأموال السائلة “المتداولة” حول العالم يتراوح حوالي 5 تريليونات دولار بما يجعله مسؤولًا عن استثمارات تفوق حجم الأموال المتداولة بين الأفراد والشركات بأكثر من 4 أضعاف.
كما يؤثر “علاء الدين” في قرارات بنك الاحتياط الفيدرالي وأكثر من 200 بنك ومؤسسة مالية كبيرة وأكثر من 17 ألف متداول في البورصة ويدير 50% من صندوق المؤشرات المتداولة (الاستثمار منخفض التكاليف) و17% من السندات و10% من إجمالي الأسهم عالميًا.
كيف بدأ “علاء الدين”؟
واللافت أن قصة “علاء الدين” بدأت بفشل كبير لـ”لورانس (لاري) فينك” الذي كان مديرًا تنفيذيًا في أحد كبرى البنوك في مدينة “بوسطن” عام 1986 وكان مؤيدًا بشدة لفكرة استخدام الحاسب الآلي بشكل مكثف في توجيه قرارات الاستثمار.
إلا أن أخطاء في البيانات ونظم التشغيل حينذاك تسببت في خسارة البنك لمئات الملايين من الدولارات بسبب عمليات تداول سيئة، وكانت النتيجة مغادرة “فينك” للشركة “فاشلًا” ولذا وضع هدفًا بعمل نظام ذكاء اصطناعي متفوق يمكنه المساعدة في الاستثمار لاحقًا أمام عينيه.
في عام 1988 أنشأ “فينك” شركة “بلاك روك”، والتي تعتبر الآن أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم واستعان بنظام “علاء الدين” وقتها لمساعدته على إدارة تلك الأصول.
وكلمة “ALADDIN” أو “علاء الدين المستخدمة في تسمية نظام الذكاء الاصطناعي هي اختصار لمجموعة كلمات تشمل (ASSET LIBILATY AND DEBT DERIVATIVE INVESTMENT NETORK) أي “الأصول والأعباء والديون وشبكة الاستثمارات المشتقة منهم”.
رحلة صعود
وخلال السنوات العشر الأولى لعمله هذا قام بجمع المعلومات حول كل الأصول وتحركات الأسعار والمخاطر في مختلف الأسواق الدولية، وفي عام 1999 أي بعد 11 سنة على بدء ترقية نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بـ”علاء الدين” في بيع منتجاته للمستثمرين الآخرين وليس مجرد المساعدة في اتخاذ القرارات في “بلاك روك”.
ومع فقاعة “دوت كوم” جاء الصعود الكبير الأول لـ”علاء الدين” من خلال توصيته قبل الأزمة بالانسحاب من سوق الأسهم لحساب الاستثمار في سوق السندات، وهو ما حدث بالفعل لمستثمري “بلاك روك” وبالتالي جنبهم خسائر الفقاعة عام 2001.
وفي عام 2008 ومع الأزمة المالية العالمية جاء بنك الاحتياط الأمريكي ليطلب المشورة من “بلاك روك” أو تحديدًا من “علاء الدين” في توجيه برنامج الإنقاذ الأمريكي للاقتصاد، والذي بدأ بثلاثين مليار دولار لشراء الأصول المتعثرة، وكانت وظيفة “علاء الدين” تحديد أي الأصول تشتري الحكومة وما تتركه ليفلس، وذلك وفقًا لتقديرات آثار إفلاس كل الأصول لذا فقد كانت مهمته الإجابة عن سؤال: “مَن ننقذ ومن نتركه يغرق؟”
وحصلت “بلاك روك” على 42 مليون دولار في هذا الوقت كأتعاب من الحكومة الأمريكية جراء استخدام خبرات نظامها للذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أن المبلغ لم يكن كبيرًا للغاية لكنه كان إشارة واضحة للتأثير المتعاظم للذكاء الاصطناعي وتحديدًا “علاء الدين” في أسواق الاستثمار عالميًا.
ودفع نجاح “علاء الدين” شركتي “فانجارد” و”ستيت ستريت”، وهما منافستان لـ”بلاك روك” كشركات إدارة أصول عملاقة، إلى الاستعانة بـ”علاء الدين” أيضًا، فيما تشير التقديرات إلى أن الشركات الثلاث الكبرى تتحكم بـ40% من إجمالي الأسهم المدرجة في السوق الأمريكية من خلال هذا الروبوت.
ما بعد “علاء الدين”
وفي 2017 بدأت “بلاك روك” ما تصفه بالخطوة الثانية في الذكاء الاصطناعي أو مشروع “مونارك” والذي يقوم على استبعاد تام للعنصر البشري من معادلة التداول، حيث تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات الاستثمارات وتنفيذها بشكل آلي تمامًا ودون تدخل العنصر البشري مطلقًا.
وتشير بعض التقديرات إلى أن 70% من عمليات تداول الأسهم التي تجريها “بلاك روك” نفسها في الوقت الحالي تتم باستخدام تلك المنظومة الألية بالكامل ودون أي تدخل بشري، وأنها تتم -غالبًا- بكفاءة أعلى وبسرعة أيضًا.
والشاهد أن وجود برنامج ذكاء اصطناعي يدعم منطق وجود شركات إدارة الأصول، فهي شركات تتواجد لتحقيق هدف الربح لبعض أصحاب الثروات (أو حتى بعض أصحاب المبالغ المالية المتوسطة أو الصغيرة في بعض الشركات ومنها “بلاك روك” نفسها التي تستهدف بالأساس أصحاب المبالغ الصغيرة) وذلك دون أن يتكبدوا الوقت أو الجهد بأنفسهم في الاستثمار.
لذلك فغالبًا ما تكون عقلية المستثمرين في تلك الشركات حول الاستثمار الآمن الذي يحقق ربحًا لكنه لا يخاطر بشكل كبير، ولذلك فإن 79.1% من أصول تلك الشركات في استثمارات آمنة من عقارات وسلع فارهة وسندات وأسهم قليلة المخاطرة.
ويتفق هذا مع منطق وجود نظام ذكاء اصطناعي وظيفته الأولى تحليل المخاطر وميزته الأساسية القدرة على رصد متغيرات واسعة لا يستطيع البشر رصدها بنفس الكفاءة بما يسمح للوصول لاستنتاجات أكثر دقة.
“علاء الدين” كالأوكسجين
وعلى الرغم من المزايا السابقة في تحليل المخاطر لـ”علاء الدين” إلا أن هناك مخاوف عدة أيضًا مرتبطة بوجوده لا سيما مع الحجم المتعاظم للأصول التي يعمل على إدارتها (تشير بعض التقديرات إلى أن 21 تريليون دولار هو رقم متحفظ للغاية في تقدير حجم تأثير “علاء الدين” في ظل توسع تأثيره المستمر).
ويقول “أنتوني مالوي” وهو مدير مجموعة “نيويورك لايف اينفيستورز”، والتي تدير أصولًا تقترب من ربع تريليون دولار، “إن علاء الدين يشبه الأوكسجين بالنسبة للعديد من الشركات الاستثمارية، في وقتنا الحالي فإنه لا يوجد شركة استثمارية كبيرة يمكنها البقاء بدون استخدام “علاء الدين”.
ويضع هذا الأمر “علاء الدين” ومن خلفه “بلاك روك” في موقع أشبه بالاحتكار، فعلى الرغم من أن إجمالي أصول الشركة 10 تريليونات دولار إلا أن “علاء الدين” يجعل تأثيرها أوسع وأكبر بكثير من حجم أصولها (الضخم).
فـ”علاء الدين” قادر على إصدار “توصيات جماعية” لعملائه تسمح بالتحكم في السوق وتوجيهه بدرجة كبيرة في ظل إيجاد اتجاه حركة بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ في شريحة كبيرة مؤثرة في السوق يتبعها “تأثير القطيع” من باقي السوق بما يحقق توجيه السوق بالكامل في اتجاه بعينه.
وتشير دراسة لـ”هارفارد” إلى وجود ما تصفه بـ”حالة من التنسيق التلقائي” بين كبار شركات إدارة الاستثمارات والأصول حول العالم يهدف بالأساس إلى الحفاظ على “السوق الصاعد” لأطول فترة زمنية ممكنة وتجنب صراعات تؤدي لتراجع السوق أي الإبقاء على معادلة “ربح- ربح” كما يقال في نظرية الألعاب (أي أن ربح أحد المتعاملين فيه ربح للآخر والعكس بالعكس).
ويثير هذا الأمر مخاوف أيضًا حول تعارض المصالح بين عملاء “علاء الدين”، فلاشك أن مصالح البنك الاحتياطي الفيدارلي الأمريكي قد تختلف عن مصالح الشركات الكبرى في كثير من الأحيان بما يثير التساؤل حول آلية عمل الذكاء الاصطناعي في تلك الحالة.
كما تثار مخاوف أخرى من تأثير الهجمات السيبرانية المحتملة على مثل هذا النظام على حدوث انهيارات قياسية في سوق الأسهم، لا سيما في حالة زرع فيروس يقوم ببيع الأصول مرة واحدة مثلا، أو حتى حدوث خطأ تقني بشري يتسبب في أزمات مشابهة.
وبسبب هذه المخاوف يبدو “علاء الدين”، وكما هو ظاهر من اسمه، جنيًا خرج من مصباح، وعلى الرغم من أن الجني يبدو قادرًا على “تحقيق الأمنيات”، إلا أن مخاوف إلحاق الأذى أيضًا تظل قائمة، لا سيما مع توسعه المستمر وتعاظم دوره في الأسواق.