“الروبوتات” صناعة واقتصاد

8

أ.د. عبدالله محمد الشعلان

أدت التطورات التقنية الحديثة التي نشاهدها تترى حولنا بشكل مذهل وبخطى متسارعة أن تتمخض عن ما يعرف بالذكاء الاصطناعي حيث يرمز إلى الأنظمة والأجهزة والمعدات التي يتم تصميمها من خلال توظيف المنطق وتنمية وسائل التفكير والتحليل والتعليل والابداع والابتكار والتصنيع من خلال خصائص برمجية ومحاكاة حاسوبية. وهنا لا بد من الإشادة بما حققته المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين منذ إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في 30 أغسطس 2019 وبما حظيت به الهيئة من توجيهات سديدة ودعم سخي ومتابعة مستمرة لدى القيادة الحكيمة أيدها الله، وكان لإسهاماتها المتعددة دور مشهود في تطوير استراتيجيات المعلومات وتصنيف البيانات بالمملكة وإيجاد قطاعات اقتصادية متنوعة إلى جانب تطوير الكوادر السعودية في مجال البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ولعل من أبرز هذه الاسهامات هو إدارة وتشغيل أول قمة افتراضية لمجموعة العشرين وذلك من خلال تحضيرات تم إنجازها في وقت وجيز، وكذلك بناء منظومة الاتصال المرئي الآمن لعدد من الجهات الحكومية لعقد اجتماعاتها عن بُعد، كما دمجت ووحدت أكثر من ثمانين مجموعة بيانات حكومية ساعدت في توفير الوقت والجهد والتكاليف. كذلك دورها المحوري المؤثر في جائحة فيروس كورونا في تطبيق البرنامج الحاسوبي “توكلنا” المحمول في الهواتف الذكية الأمر الذي ساعد في الحد من انتشار الفيروس والتقليل من آثاره الصحيَّة والاقتصادية.

وفي خضم هذه المتغيرات المتتالية والتطورات المتلاحقة والتقنيات المستجدة في عالم الذكاء الاصطناعي فقد سعت المملكة لتبني تطبيقات الروبوتات وبخاصة بعد انطلاق مشروع “نيوم” الذي يمثل في رؤية المملكة 2030 مشهدًا اقتصاديًّا جديدًا لعصر ما بعد النفط عصر الذكاء الاصطناعي والتقنية الرقمية الحديثة مما يؤسس لأجيال وطنية واعدة من المهندسين الأكفاء والتقنيين المهرة الذين يستخدمون آخر ما توصل له العلم في التعامل مع عالم “الروبوتات”؛ ليكون عونًا للإنسان في كل مناحي الحياة. لذا فإن هذا المشروع الكبير مهَّد السبيل لصناعة وتطبيق الروبوتات بالمملكة، وهذه الكلمة (روبوت) مأخوذة من اللغة التشيكية، وتعني العمل الشاق، أو السُّخرة والعمل الإجباري، ولقد جعلت صناعة الروبوتات من الآلة الصماء التي تُدار وتُحرَّك عادة بعقل بشري لأن تتحرك وتعمل بشكل ذكي ذاتي تلقائي يحاكي ويضاهي القدرات الذهنية البشرية بل وتتفوق عليها دون الإحساس بالتعب والملل والإرهاق. وهذه الروبوتات صممت وبُنيت أصلا لأن تقوم بأعمال شاقة ومرهقة خارجة عن قدرات الإنسان أو ربما تكون أكثر خطرًا وأعظم أثرًا على المستخدم لو تصدى لها أو قام بها بنفسه، ومن هذه الأعمال والمهمات على سبيل المثال لا الحصر التي يوكل للروبوتات أداؤها القيام بها نقل مواد ذات إشعاعات نووية أو مهمات وإجراءات طبية في الجراحة الباطنية والقسطرة وتغيير الشرايين والتصوير بالأشعة المؤينة (ذات القدرة على الاختراق والنفاذ)، كما يمكن استخدام الروبوتات في أبحاث الفضاء إذ تقوم بمهام استكشاف الفضاء، ومتابعة المواقع أو الكواكب الفضائية، ويمكنها أن تهبط على سطحها وتلتقط الصور وتستكشف التربة والتضاريس. ويتم ذلك كله عن طريق التحكم التلقائي عن بُعد في الروبوت الآلي، وتوجيهه للقيام بالمهام دون حاجة لجود الإنسان في المنطقة التي قد يصعب عليه الوصول إليها بأي شكل من الأشكال أو تمثل خطرًا على حياته كتحديد الإلغام وانتزاعها. كما يمكن للروبوت الغوص تحت مياه البحار لأعماق بعيدة لإجراء البحوث واستكشاف الشُّعَب المرجانية والكائنات البحرية، كما تقوم بمساعدة المزارعين في أعمال الفلاحة وبخاصة في قطف الفاكهة بعد نضجها، ووضعها في صناديق خاصة بعد انتقاء الصالح منها، ويقوم الروبوت بتلك المهام بمهارة دقيقة وسرعة فائقة تتجاوز قدرات الإنسان العادي نظرًا لمرونة عملها وعدم حاجتها إلى إعمال الفكر أو الإعداد أو التفكير أو التردد. ونظرًا لقدرة واستطاعة الروبوتات على خدمة الإنسان والقيام بتلك الأعمال الشاقة والخطرة والدقيقة وربما في مشاريع صناعية وبحثية وعلمية كبيرة فهي من وجهة نظر اقتصادية قمينة لأن تزيد في الانتاج وتقلل التكاليف وتوفر الوقت بل وستساعد في التغلب على مشكلة النقص في الأيدي العاملة.

اترك رد

Your email address will not be published.