AI بالعربي – متابعات
في مفارقة تعكس عمق التحولات الجارية في قطاع التكنولوجيا، تبدو شركات التقنية الكبرى، التي تقود الابتكارات الرقمية المهدِّدة لملايين الوظائف حول العالم، وكأنها أول من يتذوق نتائج هذا التحول. فالشركات نفسها التي تطور أدوات الذكاء الاصطناعي والأتمتة، تواصل تسريح أعداد متزايدة من العمالة عالية المهارة داخل صفوفها.
وأكد موقع “TechCrunch” استمرار موجة التسريحات في قطاع التكنولوجيا العالمي خلال عام 2025، حيث واصلت مئات الشركات تنفيذ تخفيضات جماعية في أعداد الموظفين، ضمن تحولات استراتيجية عميقة في نماذج العمل والإنتاج.
أرقام قياسية للتسريحات في 2025
بحسب بيانات نقلها “TechCrunch” عن تقارير متخصصة مثل “TrueUp”، تجاوز إجمالي عدد الموظفين المسرحين في قطاع التكنولوجيا خلال 2025 حاجز 182 ألف موظف، شملت مئات الشركات حول العالم.
وتركزت النسبة الأكبر من هذه التسريحات في شركات عملاقة مثل “إنتل” و”مايكروسوفت” و”أمازون” و”ميتا”، في ظل تسارع التحول نحو تبني الذكاء الاصطناعي والأتمتة بهدف رفع الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف.
أشهر الذروة في موجة التخفيضات
ووفقًا لقائمة شاملة نشرها “TechCrunch” مؤخرًا، كان شهر أبريل الأكثر حدة من حيث التسريحات، مع تجاوز عدد المفصولين 24 ألف موظف، تلاه شهر أكتوبر بنحو 18 ألفًا، ثم يوليو بما يقارب 16 ألف موظف.
ويعزو خبراء هذا التصاعد إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها إعادة الهيكلة الاستراتيجية، وتباطؤ الطلب في بعض القطاعات مثل السيارات الكهربائية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية العالمية.
الذكاء الاصطناعي في قلب الأزمة
يشير محللون إلى أن الاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في تقليص الحاجة إلى العمالة البشرية، لا سيما في مجالات مثل البرمجة، والمبيعات، والدعم الفني، حيث أصبحت الخوارزميات قادرة على تنفيذ مهام كانت تتطلب فرقًا بشرية كاملة.
وتربط تصريحات عدد من المسؤولين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا بين التخفيضات الحالية وما يصفونه بـ”كفاءة الذكاء الاصطناعي”، في إشارة واضحة إلى التحول البنيوي الذي تشهده الصناعة.
توسع الظاهرة عالميًا وإقليميًا
ولم تقتصر موجة التسريحات على شركات بعينها، إذ شهدت شركات أخرى مثل “غوغل” و”أوراكل” و”سيسكو” جولات متعددة من التخفيضات، غالبًا بالتزامن مع إعادة توجيه الاستثمارات نحو الذكاء الاصطناعي أو بعد صفقات استحواذ.
وعلى المستوى الإقليمي، تأثرت شركات إسرائيلية مثل “موبايلي” و”بلايتيكا”، إلى جانب انعكاسات ملموسة على أسواق ناشئة تعتمد بدرجة كبيرة على قطاع التكنولوجيا كمحرّك للنمو.
مستقبل الوظائف تحت المجهر
ورغم أن وتيرة التسريحات في 2025 تُعد أقل نسبيًا مقارنة بعام 2024، الذي شهد أكثر من 150 ألف حالة تسريح، فإن الاتجاه العام يثير مخاوف متزايدة بشأن مستقبل الوظائف في قطاع التكنولوجيا.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات تعكس تحولًا هيكليًا عميقًا في الصناعة، يفرض على العاملين إعادة التفكير في مساراتهم المهنية، واكتساب مهارات جديدة تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي، بدل الاكتفاء بالأدوار التقليدية التي باتت مهددة بالاندثار.
