الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم ملامح الصحافة بين فرص الابتكار وهواجس الأخلاق

الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم ملامح الصحافة بين فرص الابتكار وهواجس الأخلاق

AI بالعربي – متابعات

يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في مشهد الإعلام العالمي، حيث بات يُستخدم لتسريع الإنتاج وتطوير أدوات تغطي مراحل متعددة من العمل الصحفي. وبينما يرى البعض فيه فرصة ذهبية لإعادة ابتكار الصحافة، يُحذر آخرون من تأثيراته على الاستقلالية والتحرير والمصداقية.

وفي هذا السياق، شكّلت قضايا الذكاء الاصطناعي محورًا رئيسيًا في منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة DW الألمانية في مدينة بون، حيث اجتمع خبراء وصحفيون لبحث مستقبل المهنة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة.

التحول إلى “هندسة الأخبار”

قالت الدكتورة سالي حمود، الأكاديمية وخبيرة الذكاء الاصطناعي، إن الذكاء الاصطناعي يفرض على غرف الأخبار إعادة التفكير في آليات الإنتاج، إذ تسعى المؤسسات الإعلامية للتميّز من خلال أدوات تقنية تعزز من كفاءتها. لكنها أكدت في الوقت ذاته على ضرورة فهم الأدوات قبل تبنيها، قائلة: “الذكاء الاصطناعي ليس صحفيًا.. بل هو مساعد”.

وأضافت حمود أن الحقبة الحالية تشهد تحوّلًا في طريقة تشكيل الأخبار، إذ أصبحت خوارزميات المنصات الاجتماعية تُعيد تشكيل أولويات الجمهور ومفاهيم “هندسة الأخبار”. وحذرت من التسرع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي دون وعي أخلاقي أو تدريب كافٍ، مشددة على أهمية محو الأمية الرقمية لدى الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.

حذر من التبسيط والمبالغة

من جهته، عبّر كريستو بوشيك، الصحفي الاستقصائي في مجلة “دير شبيغل”، عن قلقه من المبالغات المحيطة بالذكاء الاصطناعي، متسائلًا عن التناقض بين من يعتبره خطرًا وجوديًا، ومن يراه المنقذ لحل أزمات كبرى. وأوضح أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى عقود مضت، مؤكدًا أنها مشروع سياسي واجتماعي لا يجب التعامل معه على أنه محايد تمامًا.

وشدد بوشيك على ضرورة التحقق من نتائج الذكاء الاصطناعي، محذرًا من الاعتماد المفرط عليه، خاصة أنه يعمل بمنطق احتمالي يختلف عن منطق الإنسان. واعتبر أن أفضل نهج هو إسناد مهام محددة لهذه الأدوات، دون أن تحل محل الصحفيين بالكامل.

البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتحدي العلامة التجارية

أما نيكيتا روي، مؤسسة “مختبر روبوتات غرف الأخبار”، فناقشت كيف بات الذكاء الاصطناعي يشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية في وسائل الإعلام. وأشارت إلى فوائده في تحليل البيانات العامة وترجمة المحتوى، لكنها حذرت من تهديد محتمل للهوية التحريرية للعلامات الإعلامية الكبرى، في ظل ظهور أدوات وسيطة مثل “AI Overviews” من جوجل.

وقالت روي إن الذكاء الاصطناعي لا يُهدد الصحافة كمهنة، بل يضرب نموذجها الاقتصادي، مشجعة الصحفيين على استخدام أدوات مثل ChatGPT وClaude وGemini، مع التركيز على النسخ مفتوحة المصدر لدعم الشفافية والاستقلالية.

تحديات فنية ومصداقية الجمهور

بدوره، أشار كارل ميلر، مؤسس “مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي”، إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار يواجه تحديات فنية كبرى، أبرزها القدرة على إنتاج محتوى يصعب تمييزه عن الواقع، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة لدى الجمهور.

وقال ميلر إن على الصحفيين إعادة تعريف أدوارهم في العصر الرقمي، والتحول إلى مصادر موثوقة وسط الفوضى المعلوماتية، مؤكدًا أن تحسين دقة أدوات الذكاء الاصطناعي لا يلغي خطر “الهلوسة”، أي توليد محتوى غير دقيق أو خاطئ. كما دعا إلى استثمار هذه التقنية في فهم تفضيلات الجمهور وتوجيه المحتوى الصحفي بشكل أكثر دقة.

دعوة لفهم التكنولوجيا وتوجيهها

واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي سيظل جزءًا متناميًا من المشهد الإعلامي، لكن نجاحه يعتمد على قدرة الصحفيين في قيادته، لا الانقياد له. وشدد المتحدثون على أهمية الجمع بين الابتكار والتفكير النقدي، وإعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والتقنية بما يخدم الحقيقة والمصلحة العامة.