عصر “الذكاء الاصطناعي” والفن الموحد: هل يختفي التنوع البصري؟

AI بالعربي – خاص

لم يكن مستخدمو منصات توليد الصور يدركون أنهم، وهم يكتبون أوامر نصية قصيرة، يشاركون في إعادة رسم خريطة الذوق البصري العالمي. دراسة حديثة نشرتها منصة Kapwing، بعد تحليل نحو خمسة ملايين أمر نصي لمستخدمي Midjourney خلال عام واحد، كشفت أن هذه الأوامر لم تكن عشوائية، بل تمحورت حول أسماء وأساليب بعينها تحوّلت إلى «مفاتيح جاهزة للخيال».

“آلفونس موخا”.. عودة الحنين كأسلوب جاهز

في صدارة هذه الأسماء، برز الفنان التشيكي آلفونس موخا بأكثر من 230 ألف طلب، في عودة لافتة إلى جماليات الخطوط المنحنية والأسلوب الحالم. هذا التفضيل يعكس ميل خوارزميات توليد الصور إلى إعادة إنتاج أنماط جمالية متكررة، غالباً ذات مرجعية غربية، على حساب التنوع الثقافي.

“رغم التنوع الظاهري للصور المولَّدة، تُظهر النماذج بشكل مستمر معايير جمالية متكررة… والتمثيل الثقافي يظل غالبًا غربيًا مع ضعف في ظهور هويات بصرية أخرى”.

“زها حديد”.. العمارة تتحول إلى لغة مختصرة

في العمارة، تصدّر اسم زها حديد المشهد بأكثر من 63 ألف أمر نصي، متقدمة على معماريين عالميين. يكفي أن يكتب المستخدم Zaha Hadid style لتُستحضر عمارة مستقبلية، منحنية، وانسيابية، تتحدى الخط المستقيم. حتى المعماريون والطلاب يستخدمون اسمها للحصول على تصورات سريعة، لكن الدراسات تشير إلى أن هذا التكرار قد يقلل التنوع البصري على المدى الطويل.

“ويس أندرسون”.. الألوان الباستيلية كاختصار بصري

أما في السينما، فيتقدم المخرج الأميركي ويس أندرسون بأكثر من 92 ألف أمر نصي. ألوانه الباستيلية، وتماثل كادراته، تحوّلت إلى صيغة مفتوحة وسهلة الاستدعاء. المفارقة أن هذا الهوس بالشكل يجمعه، على نحو غير متوقع، بزها حديد؛ فكلاهما يعيد اختراع الواقع وفق منطق داخلي صارم، حيث يصبح الشكل هو الفكرة نفسها.

الذكاء الاصطناعي يميل إلى توحيد الذوق البصري

العديد من الأبحاث العالمية تشير إلى أن نماذج توليد الصور مثل Midjourney وDALL•E وStable Diffusion تميل إلى إعادة إنتاج أنماط جمالية متشابهة، بغض النظر عن المستخدم. الملمس الناعم، اللون الباستي، والتكوينات المتوازنة تسيطر على المخرجات، بينما تظل التمثيلات الثقافية غير الغربية أقل حضورًا.

الخطر الحقيقي.. الصور النمطية

بحسب عدة تقارير أخرى نشرت عبر “arxiv.org”؛ فإن ليست مسألة التشابه وحدها، بل أيضًا تعزيز الصور النمطية. تحليلات أُجريت على أنظمة Midjourney وStable Diffusion أظهرت أن النتائج قد تعكس تحيزات مرتبطة بالجنس والعرق والثقافة، ما يعكس نماذج المجتمع ذاته أكثر من كونه أداءً تقنيًا محايدًا.

كما أكدت أيضًا تلك التقارير أن النماذج الأولية عادةً ما تتضمن إشارات بصرية نمطية، وتشير النتائج إلى ضرورة تصميم آليات لتقليل هذه الانعكاسات الاجتماعية داخل مخرجات الصور.

التكرار في الأوامر يقلل التنوع

كما أن زيادة التكرار في لغة الأوامر تقود إلى تقليل التنوع البصري؛ فالاعتماد المستمر على نفس الكلمات والأسماء في أوامر النصوص يؤدي إلى انخفاض في تنوع المرئيات، إذ يقترن التشابه اللفظي بالتشابه المرئي في النتائج.

تجارب الفنانين.. الذكاء الاصطناعي كطرف فاعل

في مهرجان Rencontres d’Arles بفرنسا، استخدم فنانون مثل Igi Lola Ayedun وMayara Ferrao Midjourney ليس فقط لإنتاج صور، بل لاستكشاف سرديات تاريخية مفقودة وبناء أرشيف بصري غير موجود. هذه التجارب تثير تساؤلات حول الملكية الفكرية والهوية الثقافية، وتحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة إلى شريك في عملية الإبداع، وفقًا لـ”lemonde.fr”.

التحديات القانونية والأخلاقية

تواجه شركات مثل Midjourney دعاوى جماعية في لندن تتعلق باستخدام صور محمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب نماذجها. هذه القضايا تضع أخلاقيات تدريب الذكاء الاصطناعي في واجهة الاهتمام العالمي، خصوصًا بالنسبة للفنانين الذين يرون في أعمالهم ملكية فكرية خاصة، وفي تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”، أكدت أنه في حين تُواصل Midjourney الابتكار، فإنها تواجه أيضًا تحديات قانونية كبيرة. إذ أن الشركة تورطت في دعوى قضائية جماعية رفعها فنانون يزعمون أن الشركة استخدمت صورًا محمية بحقوق الطبع والنشر دون إذن لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وقد رفض القاضي مؤخراً طلب Midjourney برفض القضية، مما يسمح لها بالانتقال إلى مرحلة الاكتشاف. تُسلط هذه الدعوى القضائية الضوء على المناقشات الجارية حول حقوق الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي، مما يثير أسئلة مهمة حول الاستخدام الأخلاقي للمواد المحمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب الذكاء الاصطناعي.

كما يبدو، يمثل تطور مسار Midjourney من منصة تعتمد على “ديسكورد” إلى واجهة ويب شاملة، خطوةً مهمة إلى الأمام في صناعة إنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي.

الفجوة العربية.. غياب الهوية المحلية

باستثناء اسم زها حديد، تكاد الهوية العربية تكون غائبة عن قوائم الأوامر النصية الأكثر استخداماً. الزخارف الإسلامية، والعمارة التاريخية، والرموز الشعبية، تظل هامشية، ما يهدد بتشكل صورة عربية متخيّلة مستنسخة من نماذج عالمية جاهزة، بدلاً من تعكس الواقع المحلي.

الذكاء الاصطناعي.. إعادة اختراع الإبداع

الأسماء تتحول إلى أوامر، والأساليب تصبح اختصارات جاهزة. ومع تكرار هذا الاستخدام وتسارع المشهد، يبقى السؤال: هل ستتمكن الفنون العربية من اقتحام هذا القاموس العالمي قبل أن يُصبح الذوق البصري الجديد حقيقة نهائية؟

  • Related Posts

    رواية بلا تجربة.. كيف تنتج النماذج القصص؟

    AI بالعربي – متابعات لم تعد القصة تُولد بالضرورة من حياة عايشها كاتب، ولا من ذاكرة مثقلة بالخسارات والانتصارات، ولا من تجربة شخصية تُقاوم النسيان عبر السرد. في زمن النماذج…

    الذكاء الاصطناعي لا ينسى الإهانات

    AI بالعربي – متابعات في الوعي الإنساني، الإهانة حدثٌ عابر، قد يترك أثرًا نفسيًا، لكنه يخضع للنسيان، للتسامح، أو لإعادة التأويل مع مرور الزمن. أما في عالم الذكاء الاصطناعي، فالإهانة…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    • نوفمبر 29, 2025
    • 104 views
    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    • نوفمبر 22, 2025
    • 143 views
    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    • نوفمبر 10, 2025
    • 229 views
    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    • نوفمبر 8, 2025
    • 235 views
    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    • أكتوبر 30, 2025
    • 253 views
    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 395 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر