AI بالعربي – متابعات
يعيش العالم اليوم مرحلة غير مسبوقة من التحولات التكنولوجية، تقودها الطفرة المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي “AI” وإنترنت الأشياء “IoT”.
ولم يعد تأثير هذه التقنيات مقتصرًا على تطوير الأجهزة أو تحسين كفاءة الأنظمة، بل امتد ليعيد صياغة طريقة تفاعل الإنسان مع بيئته المحيطة، وكيفية تنظيم تفاصيل حياته اليومية على المستويات الفردية والمؤسسية.
ورغم أن دمج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء يُعد من أكثر الاتجاهات إثارة في المشهد التقني العالمي، فإن هذا الدمج يطرح في الوقت نفسه مجموعة معقدة من التحديات والفرص، ما يستدعي قراءة تحليلية معمقة لفهم انعكاساته على القطاعات الحيوية المختلفة.
تكامل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
يشير مفهوم إنترنت الأشياء إلى شبكة واسعة من الأجهزة المتصلة القادرة على جمع البيانات ومعالجتها وتبادلها عبر الإنترنت.
وتشمل هذه الأجهزة الهواتف الذكية، والمنازل الذكية، والسيارات المتصلة، إضافة إلى الأنظمة الصناعية والبنى التحتية المتقدمة. ويهدف هذا النظام إلى خلق بيئة تفاعلية تتيح للأجهزة التواصل فيما بينها ومع المستخدمين بصورة مستمرة.
أما الذكاء الاصطناعي، فيسعى إلى محاكاة القدرات العقلية البشرية، مثل التعلم، والتحليل، واتخاذ القرار. ويعتمد في ذلك على خوارزميات متقدمة ونماذج تعلم آلي وتعلم عميق قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات واستخلاص أنماط دقيقة منها.
ويتمثل جوهر الدمج بين “AI وIoT” في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة التي تولدها أجهزة إنترنت الأشياء. ويتيح هذا التكامل للأنظمة المتصلة اتخاذ قرارات ذكية في الوقت الفعلي، ما يعزز الكفاءة، ويزيد من قدرة الأنظمة على التكيف مع المتغيرات المحيطة.
تطبيقات رئيسية تعيد تشكيل القطاعات
في مجال المدن الذكية، تعتمد الحكومات على شبكات إنترنت الأشياء لجمع بيانات من مصادر متعددة، مثل كاميرات المراقبة، وأجهزة الاستشعار البيئية، وأنظمة الإضاءة.
ويقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات لتحسين إدارة حركة المرور، وترشيد استهلاك الطاقة، ورفع كفاءة الخدمات العامة. كما يمكن للأنظمة الذكية التنبؤ بمناطق الازدحام المروري وتوجيه المركبات بطرق بديلة، ما يسهم في تقليل الانبعاثات واستهلاك الوقود.
وفي الرعاية الصحية الذكية، يلعب دمج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء دورًا محوريًا في تحسين تشخيص المرضى ومتابعة حالتهم الصحية.
إذ توفر الأجهزة القابلة للارتداء وأدوات المراقبة المتصلة بيانات حيوية، مثل معدل ضربات القلب، ومستويات الأكسجين في الدم، وضغط الدم.
ويحلل الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لتقديم تنبؤات مبكرة بالأمراض، ودعم القرارات الطبية، وتخصيص العلاجات وفق حالة كل مريض.
أما في قطاع الزراعة الذكية، فيسهم هذا الدمج في رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف. إذ تجمع أجهزة الاستشعار بيانات دقيقة عن التربة، والطقس، والمحاصيل، ما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن الري، واستخدام الأسمدة، وتوقيت الزراعة والحصاد. ويتيح الذكاء الاصطناعي تحليل هذه البيانات لتقليل الفاقد وتحسين الكفاءة الزراعية.
وفي الصناعات الذكية، تعتمد المصانع الحديثة على تدفقات بيانات مستمرة من الآلات المتصلة. ويستخدم الذكاء الاصطناعي هذه البيانات للتنبؤ بالأعطال قبل وقوعها، وتقليل فترات التوقف غير المخطط لها، وتحسين سلاسل الإمداد وعمليات التصنيع، بما ينعكس على خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية.
تحديات تفرض نفسها بقوة
ورغم الإمكانات الواسعة لهذا الدمج، فإن التحديات لا تقل حجمًا. فمع تضخم حجم البيانات الناتجة عن أجهزة إنترنت الأشياء، تبرز مخاطر الأمن السيبراني وحماية البيانات، حيث تصبح الأنظمة المتصلة هدفًا مغريًا للهجمات الإلكترونية وتسريب المعلومات الحساسة.
كما تشكل الخصوصية تحديًا رئيسيًا، خاصة مع جمع بيانات شخصية دقيقة من الأجهزة الذكية. ويستلزم ذلك أطرًا تنظيمية صارمة تضمن معالجة البيانات وتخزينها بشكل آمن، وتحول دون استغلالها من جهات غير موثوقة.
ويضاف إلى ذلك تعقيد إدارة البيانات، إذ تواجه المؤسسات صعوبة في تنظيم وتحليل الكم الهائل من المعلومات المتدفقة، ما يتطلب استراتيجيات متقدمة لتحويل البيانات إلى قيمة فعلية قابلة للاستخدام.
أما على مستوى سوق العمل، فقد يؤدي التوسع في الأنظمة الذكية إلى إعادة تشكيل الوظائف التقليدية، وظهور فجوة بين المهارات المتاحة وتلك المطلوبة مستقبلاً، ما يفرض تحديات اجتماعية واقتصادية تتطلب استثمارات كبيرة في إعادة التأهيل والتدريب.
فرص اقتصادية واجتماعية واعدة
في المقابل، يمثل دمج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء محركًا قويًا للنمو الاقتصادي المستدام. فالأنظمة الذكية تسهم في رفع الإنتاجية، وخفض التكاليف، وخلق فرص عمل جديدة في مجالات تطوير البرمجيات، وتحليل البيانات، وصيانة الأنظمة المتقدمة.
كما يعزز هذا التكامل التعاون بين القطاعين العام والخاص، من خلال تطوير بنى تحتية ذكية وخدمات عامة أكثر كفاءة، في وقت يستفيد فيه القطاع الخاص من الابتكار وتحقيق مزايا تنافسية جديدة.
وفي المحصلة، يمثل دمج الذكاء الاصطناعي مع إنترنت الأشياء مصدرًا هائلًا للفرص الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يتطلب في الوقت ذاته حلولًا إستراتيجية ومرونة تكنولوجية للتعامل مع تحديات الأمن والخصوصية وإدارة البيانات.
ومع تنسيق الجهود بين الحكومات والشركات، يمكن لهذا الدمج أن يقود العالم نحو تحول رقمي مستدام، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التطور التكنولوجي الشامل.
