“الاستدلال العاطفي” في المحادثات الآلية.. ماذا تفهم الآلة من نبرتنا؟
إم إيه هوتيلز – خاص
في عالم تتوسع فيه المحادثات بين البشر والأنظمة الذكية، لم تعد الكلمات وحدها كافية لفهم القصد. فالصوت يحمل ما لا تنطقه الجمل: الانفعال، الشك، الغضب، السرعة، وحتى الحزن الصامت. وهنا يظهر مفهوم “الاستدلال العاطفي” (Affective Inference) في المحادثات الآلية، كأحد أكثر الفروع تقدمًا في الذكاء الاصطناعي المعني بفهم الإنسان من خلال نبرته لا فقط مفرداته.
فهل يمكن للآلة أن تُميّز نبرة السخرية من الجدية؟ أو تعرف إن كان المستخدم غاضبًا رغم أنه استخدم كلمات مهذبة؟ وما الذي يحدث عندما نحاول برمجة “تعاطف اصطناعي”؟
ما هو الاستدلال العاطفي؟
الاستدلال العاطفي هو قدرة النظام على تفسير الحالات الانفعالية للمستخدم من خلال الإشارات غير النصية في المحادثة، مثل نبرة الصوت، سرعة الحديث، التوقفات، الصمت، وحتى التنهيدة العابرة. لا يكتفي هذا النوع من الذكاء بفهم اللغة، بل يسعى لتفسير ما وراء اللغة.
تعتمد هذه النماذج على خوارزميات تعلم عميق يتم تغذيتها بملايين الساعات من المحادثات المصنفة عاطفيًا، لتُدرّب على اكتشاف الأنماط الصوتية المرتبطة بالحالات النفسية المختلفة.
من الصوت إلى المشاعر: كيف تعمل الآلة؟
الآلة لا “تشعر” كما يفعل البشر، لكنها تحلل. تأخذ الموجة الصوتية وتفككها إلى مئات الخصائص: طبقة الصوت، التذبذب، مستوى التوتر، الترددات الدقيقة، ثم تُدخل هذه البيانات إلى شبكات عصبية عميقة تقوم باستنتاج الحالة العاطفية، مثل الغضب، الخوف، التوتر، الارتباك، أو حتى السعادة المكبوتة.
في التطبيقات المتقدمة، يتم دمج هذه التحليلات الصوتية مع سياق الكلام المكتوب، وتاريخ المستخدم، وحتى الوقت من اليوم، لبناء صورة أكثر دقة عن المشاعر.
لماذا تحتاج الفنادق والشركات إلى هذا النوع من الفهم؟
في خدمة العملاء، خصوصًا في الفنادق أو شركات الطيران أو مراكز الاتصالات، لا يقول النزيل دائمًا ما يشعر به. لكنه قد “يُظهره” في نبرته. هنا تصبح الآلة أداة مساعدة لفهم المشاعر المبطنة وتقديم رد فعل مناسب، بل وقد تتدخل قبل أن يتحول الانزعاج إلى شكوى.
تخيل نظامًا يستقبل مكالمة من نزيل يتحدث بهدوء لكنه يحمل في صوته حدة غير مباشرة. يستطيع النظام الذكي تنبيه الموظف أو تحويل المكالمة تلقائيًا إلى مشرف، مما يمنع تصعيد المشكلة.
التحدي الأخلاقي: هل يحق للآلة تحليل مشاعرنا؟
رغم الفوائد، فإن تحليل الانفعالات يثير تساؤلات أخلاقية. هل يحق لنظام أن يسجل ويحلل نبرة صوتي دون علمي؟ ماذا لو استُخدمت هذه البيانات للتأثير على قراري؟ أو لخلق نماذج عني تُستخدم في التسويق؟
كما أن الاعتماد الزائد على هذا النوع من التحليل قد يؤدي إلى سوء تفسير المشاعر في سياقات ثقافية أو لغوية مختلفة. فالآلة لا تزال تتعلم، وقد تخلط بين لهجة حماسية ولهجة غاضبة.
التعاطف الاصطناعي.. هل يمكن برمجته؟
في مراحله المتقدمة، لا يكتفي الاستدلال العاطفي بالفهم، بل يُبرمج النظام على الاستجابة تعاطفيًا. يغيّر نبرة الرد الآلي، يختار كلمات أقل حدة، يعتذر، يعرض المساعدة. وهنا نصل إلى مرحلة “التعاطف الاصطناعي”، حيث تبدو الآلة وكأنها تفهمنا بشريًا، لكنها في الواقع تستجيب خوارزميًا.
هل هذا كافٍ؟ وهل نريد فعلًا أن نتعامل مع أنظمة “تُظهر” التعاطف، أم نحتاج إلى موظف حقيقي يشعر ويتفاعل بعفوية؟
اقرأ أيضًا: تصميم “الوكلاء الأخلاقيين”.. هل يمكن برمجة القيم؟ – AI بالعربي | إيه آي بالعربي