رحلة تطوير الذكاء الاصطناعي.. دول يخفت ضوؤها وأخرى يسطع نجمها
AI بالعربي – متابعات
لم تعد مسيرة الذكاء الاصطناعي مقتصرةً على شركات يمكن حصرها على أصابع اليد كما كان الأمر خلال العقود الماضية، إذ باتت الدول أيضًا في سباق محموم لتطوير تقنياته، ودمجه في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ونظرًا للفوائد الاقتصادية الضخمة لدمج هذه التقنية في الاقتصاد، فإن السباق يعني أن بعض الدول قد تتقدم في مسيرة احتضان الذكاء الاصطناعي، في حين ستتأخر دول أخرى.
الولايات المتحدة رائدة بلا منازع
تُعتبر الولايات المتحدة الدولة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويكفي للدلالة على ذلك، الإشارة إلى أن غالبية الشركات العملاقة التي تقوم بتطوير هذه التقنية في العالم، أميركية.
هذه الريادة لن تتباطأ خلال العام المقبل، بل يُتوقع على نطاق واسع أن تزيد، خاصة مع دخول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وإصراره على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، وخفض العجز التجاري لبلاده مع العالم.
ترمب قام بالفعل بالعديد من الإجراءات التي من شأنها دعم القطاع حتى قبل بداية ولايته، إذ استحدث منصبًا في البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، مرشحاً ديفيد ساكس لشغله.
ساكس لن يكون وحيدًا في الإدارة المقبلة، بل سيعمل عن كثب مع أغنى رجل في العالم إيلون ماسك، والذي يملك بالفعل شركة “XAI” للذكاء الاصطناعي، وبات مستشارًا رئيسيًا لترمب.
يُصنف ماسك بأنه ضليع في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ بدأ مسيرته في هذا المجال من خلال كونه أحد أوائل المستثمرين في شركة “ديب مايند” التي استحوذت عليها “جوجل”، قبل أن يختلف معها. كما شارك في تأسيس “أوبن إيه آي” في 2015، والتي فاجأت العالم من خلال إطلاقها لروبوت الدردشة “ChatGPT” قبل أن يختلف معها أيضWh، ليقوم بتأسيس شركته وروبوت الدردشة الخاص بها “غروك”، والتي جمعت تمويلًا بـ6 مليارات دولار.
كما أن ترمب نفسه مُصر على إطلاق العنان لهذا القطاع، إذ اعتبر في “بودكاست” مع لوغان بول في يونيو، أنه “يجب أن نكون في المقدمة، وأخذ زمام المبادرة في مواجهة الصين”.
لهذا، يُتوقع أن يبقي ترمب على قانون الرقائق الذي أقره جو بايدن في 2022، والذي يقدم حزم دعم للشركات لإنشاء مصانع لأشباه الموصلات والرقائق في الولايات المتحدة، هذا إن لم يقم بتعزيزه، وفقًا لما نقلته “سي إن بي سي” الأميركية عن عدة خبراء.
لا يمكن قياس مستقبل الذكاء الاصطناعي بدقة، خصوصًا أنه كقطاع منفصل لم يصل لمرحلة توليد الأرباح بما يعادل حجم الاستثمارات الضخم المطلوب لتطويره وتشغيله، ولكن هناك بعض المؤشرات التي قد تدل على زيادة اهتمام الشركات في أميركا بهذا القطاع.
أبرز هذه المؤشرات تتمثل في الطلب على الطاقة. تشير “بلومبرغ بيزنيس ويك” إلى أن الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة يُتوقع أن يشهد ارتفاعًا غير مسبوق منذ عقود، “مدعومًا بالطلب من مراكز البيانات وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي”.
هذا الارتفاع قد يصل إلى 16% خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب الشركة الاستراتيجية “غريد ستراتيجيز Grid Strategies” ومقرها في العاصمة واشنطن، معتبرةً أنه تحول كبير نظرًا لأن الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة لم يسجل أي ارتفاع يزيد عن 1% سنويًا على مر العقدين الماضيين. وبحسب الشركة فإن الأحمال ستنمو بنسبة تقارب 3% خلال 2024.
الصين بين سندان الاقتصاد ومطرقة ترمب
خلال السنوات الماضية، ظهرت الصين كقوة رئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي، حتى أن شركاتها العاملة في هذا المجال، على غرار “علي بابا” و”بايدو” و”آنت”، باتت تنافس فعليًا الشركات الأميركية بقوة، كما أنها طورت منتجات خاصة بها شبيهة بتلك الموجودة لدى الشركات الأميركية، مثل النماذج اللغوية الضخمة، وتقنيات التعرف على الوجوه باستخدام الذكاء الاصطناعي.
أدركت الولايات المتحدة مدى تقدم الصين في هذا المجال، وهو ما ظهر أيضًا في تصريح ترمب سابق الذكر، ما دفعها إلى فرض قيود على تصدير الرقائق إلى بكين، بحجة استخدامها في أغراض عسكرية.
كما شنت الإدارات الأميركية المتلاحقة حملات عدة على الشركات الصينية العاملة في هذا المجال، لدرجة أن حملة ترمب خلال ولايته الأولى كادت أن تؤدي إلى إفلاس “هواوي”، قبل أن تعود وتقف مجددًا.
قطاع الذكاء الاصطناعي لم يكن عرضةً للضربات من الإدارات الأميركية فقط، بل شاركت الحكومة الصينية أيضًا في “قمعه”، عبر إطلاق حملة على شركات التقنية، أدت إلى وقف طرح “آنت” المدعومة من جاك ما مؤسس “علي بابا”، والذي كان مقدرًا أن يكون الأكبر في العالم، وأمرتها بإصلاح نموذج أعمالها للامتثال للوائح المالية.
ومنذ ذلك الحين، أي قبل قرابة 4 سنوات، يواصل الاقتصاد الصيني الدخول في مطبات أعاقت تقدم الشركات العاملة في القطاع، كان آخرها أزمة القطاع العقاري، وسط خيبة أمل واسعة النطاق من حزم تحفيز الاقتصاد التي أعلنت عنها الحكومة هذه السنة.
هذه الظروف تشير إلى أن العام الجديد قد يشهد العديد من التحديات في مجال التقنية الصينية والذكاء الاصطناعي، وخصوصًا أن الولايات المتحدة مُصممة على تصعيد المعركة ضد بكين في مجالات الرقائق والتقنية المتطورة، مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وتهديداته بمزيد من القيود والرسوم الجمركية.
فيتنام نقطة مضيئة
الخلاف الصيني الأميركي، أخرج دولًا جديدة إلى دائرة الضوء. من هذه الدول فيتنام، إذ تعمل بشكل حثيث على جذب الشركات الكبرى العاملة في صناعة التقنية بشكل عام.
وكمؤشر على بداية هذه النهضة، وصف “البنك الدولي” في دراسة عام 2019، فيتنام بأنها “متقدمة بشكل ملحوظ” في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
منذ ذلك الحين، كثفت البلاد دعمها للقطاع لجذب أكبر عدد ممكن من الشركات. ونجحت البلاد بالفعل في جذب بعض الشركات العملاقة مثل “أبل”، خصوصًا تلك التي تريد تنويع سلاسل إمدادها بعيداً عن الصين. ولتعزيز القطاع أكثر، وقعت البلاد في ديسمبر الجاري اتفاقًا مع “إنفيديا” لإنشاء مركز بحث وتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، كما وقعت اتفاقات تجارية مع العديد من الدول، من بينها دول الخليج.
أشاد وزير الاستثمار نغوين تشي دونغ بهذا المركز، معتبراً أنه “سيساعد البلاد في تحقيق أهدافها التنموية في صناعة التكنولوجيا الفائقة بشكل عام، والذكاء الاصطناعي بشكل خاص”.
الهند على طريق النمو
إضافة إلى فيتنام، تعمل الهند بشكل حثيث على تطوير هذه التقنية. وعلى الرغم من أنها تتمتع باقتصاد رقمي متنامٍ، إلا أن بنيتها التحتية للذكاء الاصطناعي لا تزال قيد التطوير.
خصصت الحكومة 1.2 مليار دولار ضمن مهمة “IndiaAI” لبناء مراكز بيانات ضرورية لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وتسويق التقنيات. وفي أكتوبر الماضي، عقد جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، شراكة مع أغنى رجل في آسيا، موكيش أمباني، لتوفير بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، وقال هوانغ آنذاك: “الهند أنتجت وصدرت البرمجيات، وفي المستقبل ستصدر الذكاء الاصطناعي”.
أعلنت “إنفيديا” أيضًا أنها ستساعد شركات عدة في الهند، من بينها “تك ماهيندرا Tech Mahindra” التي تعمل على بناء نموذج لغوي كبير باللغة الهندية.
كل هذا يعني أن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي لم تجهز بعد لمنافسة عمالقة هذه الصناعة، إلا أن الدولة تحقق تقدمً في القطاع، وهو ما يرشح أن يستمر خلال العام المقبل.
السعودية تفتح أبوابها
في الفترة الأخيرة، سطع نجم دول جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي وعملية دمج التقنية في اقتصاداتها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
عملت المملكة مبكرًا على موضوع الذكاء الاصطناعي، إذ أطلقت الحكومة بنهاية 2020 الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والتي مكنتها من تبوّء المرتبة الأولى عالميًا على مؤشر الاستراتيجية الحكومية ضمن التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن “تورتواز إنتلجنس” العام الماضي.