كيف ستتنافس أميركا والصين في سباق الذّكاء الاصطناعي تحت ولاية ترمب؟
AI بالعربي -. متابعات
على هامش أعمال “منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ” (أبيك) أواسط الشهر الماضي، التقى الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الصيني شي جينبينغ. هناك، اتفق الرئيسان على عدم منح الذكاء الاصطناعي السيطرة على استخدام الأسلحة النووية.
هي نقطة إيجابية، باستثناء أنّ الطرفين لم ينويا في الأساس تسليم الذكاء الاصطناعي مهمة خطرة كهذه. وعلى أيّ حال، واصل فريق بايدن تشديد الضوابط المالية والتكنولوجية على الصادرات إلى الصين.
هكذا تغلق الصين الفجوة
منذ سنة 2017 في الحد الأدنى، وضعت الصين نصب عينيها هدف التحوّل إلى القوة الأولى عالمياً في الذكاء الاصطناعي، في حلول 2030. في سنة 2021، ذكرت مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” أنّ الصين تغلق ما كان “فجوة مذهلة” في أبحاث الذكاء الاصطناعي، حيث ينشر الباحثون الصينيون أوراقاً أكثر عن هذا المجال ويضمنون براءات اختراع أكثر من نظرائهم الأميركيين. ويبدو أنّ الصين لا تزال تسلك المسار نفسه بعد نحو أربعة أعوام.
الاختصاصية الأولى في العلوم والتكنولوجيا الصينية في “مركز جامعة جورج تاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة” هيوي-مي تشانغ عددت في مقابلة مع مجلة “ذا ديبلومات” الصيف الماضي ثلاثة عناصر قوة في برنامج الذكاء الاصطناعي: البيانات التي تغذّي نماذج اللغة الكبيرة حيث تتمتع الصين بالتفوّق الكمّي لا النوعي، القوة الحاسوبية القائمة على الرقائق المتطورة حيث تتفوق واشنطن لغاية اليوم، والمواهب التي تجعل الصين في المرتبة الأولى. بهذا المعنى، إن تفوق الصين سنة 2030 هو “معقول وحتى مرجّح” كما رأت.
قد لا يسلك التطور في مجال الذكاء الاصطناعي مساراً تصاعدياً خطياً. على الأرجح، سيكون المسار متعرّجاً. بالرغم من “تضييق” الصين فجوتها مع الولايات المتحدة، ثمة بعض المنعطفات التي أثارت الاهتمام. على سبيل المثال، لم تنتبه الصين إلى إطلاق أميركا روبوت الدردشة “ChatGPT” (أواخر 2022) إلّا سنة 2023 واستغرق إصدار نسخها من روبوت الدردشة “الأقل تطوراً” أشهراً عدّة، بحسب ما كتبته في “الغارديان” الخبيرة في الشؤون الصينية مانيا كوتسه. مع ذلك، لم يعنِ هذا الأمر أنّ زخم الصين يتراجع، بحسب الكاتبة.
في الواقع، ذكرت “رويترز” الصيف الماضي أن الصين تقود العالم في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بحسب استطلاع رأي شمل 1600 شخص من أصحاب القرار في صناعات مختلفة. والذكاء التوليدي هو التكنولوجيا التي تستند إليها تطبيقات الدردشة مثل “ChatGPT”.
على طريق التحوّل إلى قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي، تريد الصين تحقيق اختراق نوعي سنة 2025. فهي تستهدف تعزيز إجمالي قوتها الحاسوبية بأكثر من 30 في المئة، حيث أكّدت خطة منشورةمنذ شهرين أنّه سيتمّ إنشاء المزيد من مراكز البيانات في جميع أنحاء البلاد لتسهيل وصول الشركات إلى قوّة الحوسبة.
صقور أميركا
لن ترضي هذه البيانات صقور الصين في إدارة ترامب المقبلة. كما بنى بايدن سياسته في الحرب التجارية مع الصين بالاستناد إلى سياسات سلفه قبل أن يوسّعها، من المتوقّع أن تتكرّر هذه الحلقة مع الرئيس المنتخب.
في تعليق، رأى الزميل الباحث في قسم الشؤون العالمية بجامعة روتجرز البحثية شاويو يوان أنّ “سياسات الذكاء الاصطناعي السابقة لإدارة ترامب ركّزت بشكل كبير على تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا الأميركية، وفصل سلاسل التوريد، وزيادة الاستثمار المحلي، كما حصل مثلاً من خلال المبادرة الأميركية للذكاء الاصطناعي”.
مع ذلك، يتابع الباحث نفسه: “ربما تكون سياسات الهجرة الأكثر صرامة خلال فترة ترامب قد حدّت من تدفّق المواهب الدولية التي كانت حاسمة للابتكار الأميركي. ومن المرجّح أن نرى السياسة والاتجاه نفسيهما عندما يتولى ترامب منصبه مرة أخرى في يناير 2025”.
لكن لا ينصح الجميع باتباع النهج نفسه. المستشار البارز في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” سكوت كينيدي كتب في “فورين أفيرز” الشهر الماضي أنه منذ بدأت واشنطن تتشدد في ضوابط التصدير، راحت الصين توطن سلاسل التوريد الخاصة بها في التكنولوجيا الاستراتيجية، من البداية إلى النهاية.
وبالرغم من إشارته إلى تضرر قطاعات صينية عدّة من القيود الأميركية، لم يستبعد أن يتمكّن مصنعو أشباه الموصلات في الصين من تجاوز منافسيهم الأجانب، كما فعل مصنعو المركبات الكهربائية.
يتوجه ترامب إلى البيت الأبيض والكلمة الأكثر تكراراً على لسانه ومنشوراته هي فرض التعريفات الجمركية، بما فيها على السلع الواردة من الدول الحليفة. لكن لزيادة التنافسية الأميركية مع الصين في المجال التكنولوجي، ستشتدّ الحاجة إلى سياسات تحفّز صناعة التكنولوجيا المتقدّمة كما إلى زيادة التنسيق مع الحلفاء.
يذهب كينيدي من “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” إلى استنتاج أنّ فكّ الارتباط التكنولوجي مع الصين في جميع المجالات، إلى جانب تنفير الحلفاء، سيدفعان أميركا كي تكون “أكثر عزلة وفقراً وضعفاً”.
من جهته، يضيف يوان أنه “من المتوقّع أن تضاعف الصين، تحت ضغط القيود الأميركية، مبادرتها ‘صنع في الصين 2025‘ والخطة الخمسية الرابعة عشرة، واللتين تعطيان الأولوية للاكتفاء الذاتي في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. قد يمكّنها نهج الدولة الذي تقوده، والتمويل الكبير للبحث والتطوير، والوصول إلى كميات بيانات هائلة، من البقاء كمنافس مذهل بالرغم من القيود الأميركية”.
وعن احتمال خفض ترامب للقواعد الناظمة بشأن الذكاء الاصطناعي، رأى يوان أنّ “نهج عدم التدخّل في تنظيم الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأربع المقبلة قد يؤدّي إلى تقويض موقف الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي بالرغم من مكاسب الابتكار القصيرة الأجل”.
وتابع: “في حين أنّ قلّة القواعد الناظمة قد تشجّع على التطوير الأسرع وخفض التكاليف لشركات التكنولوجيا، يخاطر الافتقار إلى الرقابة بتأسيس مشاكل مثل الأنظمة المتحيّزة، والمعلومات المضللة غير المدقّقة، وانعدام الثقة العامة. قد يؤدّي هذا إلى ردّ فعل عنيف أو حتى إلى الإضرار بقدرة الشركات الأميركية على المنافسة عالمياً، بخاصة إذا وضعت بيئات تنظيمية أكثر صرامة مثل الاتحاد الأوروبي المعايير الدولية”.
هذا هو فارق تقدّمها
حالياً، وبالنسبة إلى من يبحثون عن تصور محدّد نوعاً ما عن مدى التقدّم الأميركي على الصين في مختلف مجالات الذكاء الاصطناعي، ثمّة تقدير قدّمه الأستاذ المشارك في جامعة سنغافورة الوطنية الدكتور جيمس بانغ في حديث إلى “قناة آسيا الإخبارية”: بين عام وثلاثة أعوام.
من هنا، يمكن فهم لماذا ستكون 2025 إحدى السنوات المفصلية في الصراع التكنولوجيّ بين الصين وأميركا على طريق دخول العقد الرابع من موقع قوّة.
حاليّاً، “يجمع نهج الصين الذي تقوده الدولة بين الاستثمار الضخم والإشراف الاستراتيجيّ، ما يمنحها ميزة طويلة الأجل في توسيع نطاق الذكاء الاصطناعيّ الجدير بالثقة” بحسب يوان.
وحتّى ذلك الحين، يرى أنّه “إذا استمرّت السياسات من حقبة ترامب (الأولى)، فقد تحافظ الولايات المتحدة على مكانتها القيادية في مجال الذكاء الاصطناعيّ ولكنّها ستواجه منافسة مستمرّة من الصين المتحفّزة للغاية”.