واقع دور الذكاء الاصطناعي الطبي: العلم البشري يقول كلمته أولًا

9

AI بالعربي – متابعات

يشهد المجال الطبي تطورًا غير مسبوق بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت هذه التقنية في إعادة تشكيل سبل التشخيص والعلاج، مستندة إلى قدرة هائلة في تحليل البيانات الطبية وتقديم حلول مبتكرة. ويعد الذكاء الاصطناعي أداة محورية لتحسين دقة التشخيص وتقليل الأخطاء البشرية، مما يمهد الطريق لعلاجات أكثر فعالية ونتائج صحية أفضل للمرضى. ومع ذلك، لا يزال هناك جدل مستمر حول مدى الاعتماد الكلي على هذه التكنولوجيا في تقديم الرعاية الصحية.

ورغم تلك التطورات المثيرة، فإن العلماء يؤكدون أن العلم التقليدي لا يزال له الكلمة الأولى والأخيرة، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي في جوهره على البيانات والخوارزميات التي طورها البشر. ومن ثَمَّ، فإن دوره يكمن في دعم وتكملة خبرة الأطباء وليس استبدالها، لا سيَّما في مجال الرعاية الصحية. يترافق ذلك مع تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين الاعتماد على التكنولوجيا وضمان الحفاظ على العلاقة الإنسانية بين الأطباء والمرضى.

حقيقة صادمة

مع أنَّ الحقيقة صادمة، لكنَّ التقنية حين تمارس الأدوار فإنَّها تشاركنا، لا تأتي لتحلّ محل البشرية، أو كما يُروِّج البعض – دون وعي – أنَّ الذكاء الاصطناعي لديه استعداد للقيام بالوظائف الفائقة وكفى. إذ يتبيَّن أنَّ الذكاء الاصطناعي بتطوُّره وتحديثاته، لا يعدو كونه المساعد الماهر، ذوي القدرات الفائقة على جمع معلومات، وربما إعداد تقارير روتينية، مثال “السكرتير” يمكنه تنظيم وقت المسؤول، لا أخذ مقعده والتصرُّف باسمه.

الذكاء الاصطناعي وجراحات دقيقة

لقد شهد الذكاء الاصطناعي على مدار الأعوام السابقة، تطورًا فعليًا ملحوظًا، إذ شارك الذكاء البشري في إجراء جراحة عام 2023، خضع خلالها عامل بخطوط الكهرباء الأميركي بعد فقد أجزاء كبيرة من وجهه إثر تعرضه لصعقة كهربائية بقوة 7200 فولت، لعملية زرع وجه جزئية وعين كاملة، في أول عملية من نوعها على مستوى العالم. شارك في هذه العملية الفريدة أكثر من 140 متخصصًا طبيًا من جامعة نيويورك لانجون هيلث. وعلى الرغم من أن الأطباء غير متأكدين تمامًا ما إذا كان جيمس سيستعيد بصره، فإن العين المزروعة تظهر استجابة إيجابية، مما يفتح آفاقًا جديدة في فهم كيفية شفاء العين البشرية.

يأتي دور الذكاء الاصطناعي كجزء محوري في هذه الجراحة المتقدمة، حيث تم استخدام تقنيات تحليل البيانات الطبية لتخطيط العملية بدقة وتقييم الأنسجة والأعضاء المانحة. كما ساعد الذكاء الاصطناعي في متابعة تعافي العين المزروعة، من خلال تحليل الصور الطبية وتقديم توصيات مخصصة لفريق الأطباء. تلك التقنيات الحديثة ساعدت في تسريع عملية الشفاء وزيادة فرص نجاح العملية، مما يؤكد دور الذكاء الاصطناعي في تحسين نتائج الجراحات المعقدة.

في العام الحالي، نشرت الصحف ووسائل الإعلام تقارير تحت عناوين مثل “الطفرة” و”الاختراق الطبي” حول ما حققه روبوت مستقل يتم التحكم فيه بواسطة الذكاء الاصطناعي من إجراء عملية جراحية كاملة على مريض بشري لأول مرة. وقد أظهر الروبوت كفاءة تفوق كفاءة طبيب الأسنان البشري، حيث نفذ العملية بسرعة تزيد بنحو ثماني مرات، مع نسبة نجاح بلغت 90%. تم تطوير هذا الروبوت بواسطة إحدى شركات الذكاء الاصطناعي في بوسطن، حيث استخدم ماسح ثلاثي الأبعاد محمولًا باليد لبناء نموذج ثلاثي الأبعاد مفصل للفم، بما في ذلك الأسنان واللثة والأعصاب تحت سطح السن، باستخدام تقنية التصوير المقطعي البصري (OCT)، مما ساعد على تجنب استخدام الأشعة السينية الضارة خلال العملية.

هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية

رغم التطور الملحوظ، أشارت هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة، وهو النظام المسؤول عن تقديم الخدمات الصحية للمواطنين، إلى أنها لا تستطيع الاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي حتى تصل أنظمة تكنولوجيا المعلومات الأساسية لديها إلى المستوى المطلوب من الكفاءة والتطور. وتعاني العديد من الأنظمة الحالية في الهيئة من بطء في الأداء وتعقيد في الاستخدام، مما يعيق قدرتها على تبني التكنولوجيا الحديثة بشكل فعّال. ويتطلب الذكاء الاصطناعي بنية تحتية تقنية متطورة لضمان تدفق البيانات بسهولة وأمان بين مختلف القطاعات الصحية، بدءًا من المستشفيات وصولًا إلى العيادات العامة. ولتحقيق الاستفادة الكاملة من قدرات الذكاء الاصطناعي في تحسين خدمات الرعاية الصحية وزيادة الإنتاجية، يجب على NHS تحديث أنظمتها التكنولوجية بشكل جذري لتواكب التحولات الرقمية الجارية في العالم.

الذكاء الاصطناعي وخدمات الرعاية الصحية

أشار الخبراء إلى أن هناك فرصًا هائلة لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة الرعاية الصحية من خلال الاعتماد على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والبوابات الإلكترونية للمرضى، وأنظمة الدعم الرقمي. لكن لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر وجود بيانات موثوقة وآمنة، فضلًا عن أنظمة متطورة لتخزين وإدارة تلك البيانات بشكل فعّال. حاليًا، تعاني الأنظمة السريرية والمكتبية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) من بطء في الأداء وعدم الاعتمادية، مما يضيف تكاليف ووقتًا ويزيد من مستوى الإحباط لدى العاملين. لهذا، يجب تحسين هذه الأنظمة الأساسية لتواكب التحولات التكنولوجية وتستطيع تبني الذكاء الاصطناعي بشكل موثوق وفعّال.

محاذير الذكاء الاصطناعي في الخدمات الصحية

على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي يحملها الذكاء الاصطناعي، فإن هناك أسبابًا تدعو إلى الحذر قبل الاعتماد عليه في الخدمات الصحية. إذ البيانات لا تزال مفصولة بين المستشفيات والعيادات، ولا يوجد تدفق مركزي للمعلومات حول جوانب حيوية مثل الصحة العقلية والرعاية المجتمعية. هذه التجزئة في البيانات قد تعيق أي محاولات لاعتماد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. كما أن نقص الاعتمادية في الأنظمة الحالية يشير إلى أن الاستعجال في الاعتماد على هذه التكنولوجيا قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، ويزيد من التكاليف دون تحقيق الفوائد المرجوة.

ختامًا، على الرغم من دور الذكاء الاصطناعي على مساعدة المرضى، فإنه – حتى اللحظة – لن يكون طبيبًا معالجًا بدقة أو مختصًا في التعامل مع الحالات الحرجة والرعاية المركَّزة، دون إشراف بشري، إضافة إلى غياب بيانات دقيقة، وحرمان مؤسسات من الحصول على حرية البيانات المتاحة للتاريخ المرضي وطبيعة الحالات التي يتم رعايتها صحيَّا ومتابعة تطوراتها، وهو أمر يختلف عن مفهوم العلاج، في مجال يسعى للحفاظ على الإنسان وصحته.

اترك رد

Your email address will not be published.