لتسلم الجرة.. الإفصاح ضرورة لتنظيم الذكاء الاصطناعي
رنا فوروهار
كان الذكاء الاصطناعي في قلب الحديث العالمي في الأيام الأخيرة، مع انعقاد قمة كبرى في المملكة المتحدة وأمر تنفيذي جديد صادر عن البيت الأبيض. تركز أغلب النقاش على كيفية منع الشركات والسلطات التنظيمية للكوارث المستقبلية الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، من حرب نووية إلى جائحة. لكن تحظى مشكلة في الوقت الحقيقي باهتمام أقل بكثير: كيف نضمن أن الذكاء الاصطناعي لن يلتهم الغداء الاقتصادي للجميع.
لا أشير فقط إلى حلول الذكاء الاصطناعي محل الوظائف الذي قد يحدث مستقبلا. هذا، على الأقل، تحد معروف. بل أتحدث عن الطريقة التي سيكرر بها الذكاء الاصطناعي مشكلات رأسمالية المراقبة ويزيدها. ونعني بذلك الطريقة التي تتحكم بها حفنة من جهات كبيرة في مجال التكنولوجيا، القادرة على استخراج ريع اقتصادي لا يتناسب مع القيمة التي تضيفها، في بيانات المستخدم واهتمامه وتتربح منها.
وكما يظهر أي عدد من إجراءات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا، فإننا لم نعالج هذه المشكلة بعد في مجالات مثل البحث على الإنترنت، والإعلان الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن الذكاء الاصطناعي. جزء كبير من السبب في ذلك هو أنه “لا يمكنك تنظيم ما لا تفهمه”، كما يقول تيم أورايلي، الرئيس التنفيذي لشركة أورايلي ميديا وأستاذ زائر في معهد كلية لندن الجامعية للابتكار والأغراض العامة.
في ورقة بحثية عن الريع في “اقتصاد الاهتمام” صدرت الأسبوع الماضي بالتعاون مع ماريانا مازوكاتو وإيلان شتراوس، يجادل أورايلي بأن “المشكلة الأهم التي على المنظمين معالجتها هي أن الآليات التي تقيس بها المنصات اهتمام المستخدم وتديرها غير مفهومة تماما”. يرى أورايلي والمؤلفون المشاركون معه أن “التنظيم الفاعل يعتمد على إفصاحات محسنة”.
ضع الذكاء الاصطناعي جانبا للحظة وفكر في المقاييس التي تستخدمها محركات البحث العملاقة ومنصات التجارة الإلكترونية وشركات التواصل الاجتماعي لتحقيق دخل من الاهتمام. إنها تتضمن عدد المستخدمين والوقت الذي يقضونه على موقع ما، ومقدار ما يشترونه واستجابة لأي إعلان، ونسبة النقرات الأصيلة (طبيعي دون محفزات) إلى نقرات الإعلانات، ومقدار الزيارات التي ترسل إلى مواقع خارجية، وحجم التجارة في صناعة معينة ونسبة الرسوم التي يأخذها طرف ثالث بائع.
سيستفيد أي نموذج أعمال مراقبة من هذه المقاييس الرئيسة. ولكن، كما يلاحظ المؤلفون، فقط المقاييس المالية الأكثر تقليدية هي التي تذكر بانتظام واتساق في الوثائق العامة. وينجم عن هذا تعتيم لأن هذه التقارير المالية “منفصلة تماما تقريبا عن مقاييس التشغيل المستخدمة فعلا لتسيير جزء كبير من أعمال الشركة”.
بالطبع، ستجادل الشركات بأن مثل هذه المقاييس مملوكة ملكية خاصة وستسمح لأطراف ثالثة بالتلاعب بأنظمتها إذا كانت معروفة. لكن كما تهدف قضايا مكافحة الاحتكار الحالية التي تشمل شركات التكنولوجيا الكبرى إلى إثباته، فإن مثل هذه الأطراف، إلى جانب العملاء، قد تضررت هي نفسها.
تكمن مشكلة قياس الضرر في أن معظم نماذج الأعمال الرقمية وكيفية عملها مبهمة. وصحة هذا تنطبق أكثر عندما نوجه التركيز إلى نماذج اللغة الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي. مع أن نماذجها التشغيلية تختلف عن نماذج محركات البحث أو التجارة الإلكترونية، فإنها تعتمد أيضا على اهتمام المستخدم والسلطة الخوارزمية. وكما أظهرت المحادثات التنظيمية في الأيام القليلة الماضية، فإن هذه الأمور غير مفهومة تماما، سواء بمفردها أو في علاقتها ببعضها بعضا.
يحتوي الأمر التنفيذي الجديد للبيت الأبيض على أحكام ستفرض على مطوري “نماذج الأساس مزدوجة الاستخدام” في الذكاء الاصطناعي – أي تلك التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية أو مدنية – تقديم تحديثات لمسؤولي الحكومة الفيدرالية بشأن الاختبارات الأمنية. يجب أن يكون هذا الاختبار “قويا وموثوقا ومكررا وموحدا”. تم تكليف وزارة التجارة الأمريكية بوضع معايير للكشف عن المحتوى المنشأ من الذكاء الاصطناعي وتصنيفه.
بداية طيبة، لكنها ليست كافية. أخبرني بروس ريد نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، الذي قاد الجهود بشأن الأمر التنفيذي الجديد، الأسبوع الماضي: “أردنا أن نبذل كل ما في وسعنا بالأدوات التي لدينا”، وأن الإدارة تأمل في أن يسهم الأمر “في التوصل إلى إجماع حول ما يمكننا فعله”. وقد يشمل ذلك قضايا لجنة التجارة الفيدرالية بشأن سلطة الذكاء الاصطناعي الاحتكارية، إذ يدعو الأمر صراحة إلى “نظام بيئي عادل ومفتوح وتنافسي للذكاء الاصطناعي”.
لكن بعد 30 عاما من ظهور الإنترنت الاستهلاكي، لم تواجه منصات التكنولوجيا الكبرى نفسها دعاوى احتكار كبيرة إلا الآن. يمكن القول إننا بحاجة إلى تولية تركيز أقل قليلا على توقع أسوأ السيناريوهات للذكاء الاصطناعي التي تشبه فيلم ترمنايتور، وأن نولي تركيزا أكبر على الإفصاح عن بيانات اقتصادية مفصلة أكثر لفرض ضوابط على التكنولوجيا الجديدة في الوقت الراهن، قبل أن تكون قد اكتسبت قوة كبيرة. مثلا، لا تتعامل مقترحات البيت الأبيض على وجه التحديد مع الأضرار الاقتصادية المباشرة مثل استخدام البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر في نماذج التدريب.
دار نقاش قوي حول كيفية تحقيق توازن بين السلامة والابتكار فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي. إذا كانت وزارة التجارة ذكية، فقد تستغل الأمر التنفيذي حجة لإجبار مطوري الذكاء الاصطناعي، والذين من بينهم منصات كبيرة كثيرة، على فتح صناديقهم السوداء وإظهار كيف تعمل هذه الشركات حقا. سيكون هذا بمنزلة خطوة نحو تحديد المقاييس الرئيسة لمخطط إفصاح عام، وهو أمر لا بد منه من أجل تنظيم محكم. لقد فشلنا في التوصل إلى نظام محاسبة أفضل لرأسمالية المراقبة. دعونا لا نرتكب هذا الخطأ مع الذكاء الاصطناعي.