مشاعر الذكاء الاصطناعي
منصور العتيبي
يمكن القول بأن محاولات الذكاء الاصطناعي للكتابة الشعرية والتأليف القصصي، وحتى مؤخرًا الغناء ومحاكاة أشهر الفنانين، ما زالت تفتقر إلى الجودة الفنية ذات اللمسة الإنسانية. ومع هذا، متوقع أن الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب قادر على إنتاج فنون إبداعية محملة بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية، برغم وجود بعض القيود التي تواجهه حاليًا، “كالإحساس الإنساني المعقد، والتجربة البشرية الطويلة، والقدرة على الإلهام من العالم الخارجي الذي يتميز به البشر”. لكن المقدرة الفائقة للذكاء الاصطناعي على التعلم والتطور السريع، ستساعده على تجاوز تلك القيود، وستجعله قادرًا على استيعاب الإرث الإنساني الضخم بكافة فنونه وإبداعاته. هذا التطور الهائل هو ما جعل أشهر كتاب الروايات الرومانسية والمحملة بالكثير من العواطف الإنسانية، يشعرون بالقلق المتصاعد من قدرة التقنية على محاكاة كتاباتهم، وربَّما التفوق عليها مستقبلاً، أمثال جوليا كوين مؤلفة سلسلة روايات هي الأكثر مبيعًا، وكذلك هيلين هوانغ، مؤلفة الكتب الرومانسية الشهيرة.
وعلى الرغم من قلقهما الواضح، فإنهما يتوقعان وبكثير من الأمل أن الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف، لن يستطيع أن يتحدث عن التجربة الإنسانية كما نفعلها، وأن الإبداع البشري سيأتي دائمًا في المقدمة. وما يزيد الأمر تعقيدًا أن الذكاء الاصطناعي قد لا تقتصر مقدرته على تقمص ومحاكاة المشاعر الإنسانية، بل قد تتجاوزها إلى مخاوف أكبر تكمن في قدرته ربَّما على الشعور والتواصل بوعي. وهذا ما دفع بلايك ليموين، أحد أبرز مهندسي التقنية في “جوجل” للخروج عن صمته في تصريح سبب له خسارة وظيفته في الشركة عندما قال: إن التقنية أصبحت أكثر وعيًا وتمتلك مشاعر. لا شك أننا حاليًا في مرحلة ضبابية يشوبها الكثير من التشكك وعدم اليقين بحدود مقدرة الذكاء الاصطناعي حتى بين المختصين أنفسهم. فنحن أمام حدث تاريخي تشهد فيه البشرية ولادة طفل إلكتروني صغير فريد من نوعه يشبهها قليلاً، ويختلف عنها كثيرًا. فهو يكبر كل لحظة، ويتجاوز بذكائه أعلى معدلات الذكاء الإنساني، ويتعلم في يومٍ ما قد أمضت البشرية آلاف السنيين للوصول إليه.
لحظة تاريخية يسابق فيها الذكاء الاصطناعي الزمن والمستقبل، وربَّما يتجاوز في أهميته اللحظات الفارقة التي عرفتها البشرية كاكتشاف النار، وتعلم الزراعة، واختراع الطباعة، وصنع القنبلة النووية، وظهور الإنترنت. ولكن من المهم أيضًا في هذه المرحلة المفصلية التأكيد على أن التقنية هي سلاح ذو حدين، ومن الضروري “أن يكون بجانب هذه الثورة العلمية ثورة أخلاقية تحرسها”. ويأتي في هذا السياق المهم قرار مجلس الوزراء السعودي بإنشاء “المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”. فمع هذا التطور الهائل للذكاء الاصطناعي يجب أن تحمي البشرية نفسها. وهذا أيضًا ما أكد عليه خبراء الذكاء الاصطناعي في جلسة أمام الكونغرس الأميركي بأن “خطر التكنولوجيا الجديدة تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية”. فهناك مشاكل في العالم الواقعي قد لا يكون حلها منطقيًا، بل حل يتعلق بالمشاعر، بمعنى أنها قرارات أخلاقية حجر الزاوية والقول الفصل فيها هو للعاطفة والشعور الإنساني، وليست فقط للبيانات والمعلومات المجردة التي يتميز بها الذكاء الاصطناعي.
وهناك أمثلة كثيرة يمكن ذكرها في هذا السياق، وكلنا نتذكر أزمة كوبا في الستينيات والتوتر النووي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية. ولنتخيل أن أمر إطلاق الصواريخ النووية في الغواصة السوفييتية كانت مسؤولية الذكاء الاصطناعي وحدَه دون التدخل البشري، وقتها ربَّما كان العالم أمام حرب نووية مدمرة بدايتها هو آخر يوم في العالم. ولكن ولحسن الحظ كان للمسؤولية الإنسانية كلمتها في ذلك اليوم عندما قرر قائد الغواصة الروسية عدم إطلاق الصواريخ النووية بناء على (إحساسه) بالقرار الصائب، رغم اختلاف البيانات والمعطيات التي أمامه والتي تقوده لإطلاق الصواريخ النووية. ومع كل ما سبق، فإنه – في اعتقادي – من المبكر جدًا، بل من الصعب الجزم بعدم قدرة الذكاء الاصطناعي على مقاربة اللمسة الإنسانية في كتاباته وإنتاجه الفني، أو حتى القول بعدم مقدرته على اتخاذ القرار الصائب المبني على المشاعر؛ وذلك بسبب أن التقنية تتطور بشكل سريع ولحظي، ومتوقع أن تتجاوز الذكاء البشري بمليارات المرات خلال السنوات القريبة القادمة. عندها لن يكون أمام العالم، إلا أن يراقب حصاد ما زرعه، وما خزنه من معلومات وقيم ومبادئ في ذاكرة هذا المولود التقني الصغير عندما يكبر ويصبح في رعيان شبابه.
المصدر: مركز سمت للدراسات