كيف سيشكل الذكاء الاصطناعي مستقبل صناعة الإعلام؟

40

بندر محمد عسيري

قد تكون صناعة الإعلام من أكثر الصناعات تأثرا بالتحول الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي لأسباب متعددة، وفي مقدمتها ان صناعة الإعلام ترتكز على المحتوى، و الذكاء الاصطناعي يعتمد على نماذج اللغة لتطوير قدراته، مما يجعله مصمما بالأساس للتعامل مع اللغات. ذكر تقرير صدر عن يوروبول، وهي منظمة الاتحاد الأوروبي للتعاون الامني، انه من المتوقع أن يصبح 90% من المحتوى المستهلك عبر الانترنت “مصنع” بأدوات الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2026. و أن كان هذا التقرير في مجمله تقرير يتحدث عن deep fakes  أو ما يمكن تسميته التزوير المرئي المطابق باللغة العربية، إلا انه يرسم صورة مستقبلية عن المحتوى بشكل عام و المحتوى الإعلامي بشكل خاص. ولعلنا هنا نحاول استشراف مستقبل الإعلام من ثلاثة أبعاد، الموثوقية، الوظائف، والعلاقة مع المنصات الرقمية.

في ما يخص الموثوقية، و هي احد ركائز الصناعة الإعلامية، فمن المتوقع أن تصبح القدرة على التمييز بين المحتوى الحقيقي و المحتوى المزيف صعبة أن لم تكن مستحيلة. فالتطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي تعنى أن القدرة على انتاج محتوى مرئي او مسموع مزيف مطابق للواقع سوف تصبح في متناول الجميع قريبا جدا. و ذلك يعني طوفانا من المحتوى المزيف يجعل قدرة المنظمات الإعلامية على التعامل معه صعبة و قدرة المستهلك على التمييز بين الواقع و المقلد ضعيفة جدا. و المجابهة هنا سوف تكون تقنية (كما يقول المثل، ما يفل الحديد الا الحديد) و قد بدأت بوادر صناعة متقدمة لاستحداث أدوات قادرة على التعامل مع واقع المحتوى الجديد في الظهور. هذه التقنيات الدفاعية الجديدة سوف تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، و لكنها سوف تعتمد أيضا على تقنية حديثة أخرى و هي تقنية blockchain  او سلسلة الكتل. و هي تقنية تستخدم مع العملات الرقمية لتوثيقها و ارشفتها، و تعتمد على وجود عدد كبير من “المراجع” المنفصلة التي تتعاون لمطابقة البيانات.

اما عن الوظائف الإعلامية، فان التغيير قد بدأ واضحا في الوظائف الأولية في سلسلة القيمة الإعلامية. مثل وظائف التحرير، و التصميم، و التدقيق اللغوي. و سوف يمتد خلال الفترة القادمة الى الوظائف الأعلى في سلسلة القيمة الإعلامية والتي تطلب مستوى اعلى من الابداع و الخبرة و أن كان تأثير الذكاء الاصطناعي سوف يكون اقل على تلك الوظائف نظرا لطبيعتها. و هذا لا يعني أن الوظائف الإعلامية الأولية سوف تختفي كليا، لان التدخل البشري فيها سوف تستمر أهميته، الا أن الحاجة لأعداد كبيرة من المحررين و المصممين و غيرهم للقيام بمهام انتاج المحتوى سوف ينخفض جذريا. الرابح هنا من الأفراد و المنظمات الإعلامية سوف يكون من يرحب بتقنيات الذكاء الاصطناعي الإعلامية و يتقنها و يستثمر بها.

أخيرا العلاقة مع المنصات الرقمية بكافة اشكالها. فمن المهم الاقتناع ان المنصات الرقمية لن تكون السد المنيع امام المحتوى المصنع، بالرغم من أن بعضها بدأ في طرح آليات للتعامل معه و تنظيمه الا كون هذه المنصات شركات ربحية بحته و تسعى لأعلى مستوى ممكن من المداخيل، فالأولوية لديها هو تضخيم و تحديث المحتوى المنشور عليها بأكبر قدر ممكن لان ذلك هو محرك الدخل الإعلاني. و آية اشتراطات او عوائق امام الحرية المطلقة لانسياب المحتوى لن تصب في مصلحتهم. و هنا تزداد أهمية الاستثمار في تطوير المنصات الوطنية و أدوات الذكاء الاصطناعي الإعلامية المحلية كحل استراتيجي.

ختاما، طرحت إحدى شركات هواتف الجوال ميزة جديدة تسمح للمستخدم أن “يدرب” جواله على التحدث بذات نبرة و خامة صوت المستخدم عن طريق قراءة مجموعة من الجمل في سماعة الجوال. و بذلك يمكن للمستخدم أن يكتب ما يريد أن ينطق الجوال به مستخدما صوته. هذه التقنية، و أن كانت مصممة حسب ما ذكرته شركة هواتف الجوال للأشخاص الذين سوف يفقدون قدرتهم على الحديث، تبين كيف من الممكن أن يتم تغذية محركات الذكاء الاصطناعي ببيانات شخصية تجعل التفريق بين الواقع و المصنع مستحيلا.  فأن تشكيل هذا التطور الكبير في التقنية والاستفادة منه يبدأ بنا كأشخاص. ويرتكز ذلك على التعامل مع التقنية التي نتداخل معها يوميا بقدر من المنطق بدون افراط او تفريط.

المصدر: مال

اترك رد

Your email address will not be published.