أعلن مجلس الوزراء الأسبوع الماضي عن إطلاق المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ويأتي قرار مجلس الوزراء متزامناً مع تحرك دول العالم نحو إيجاد وسائل جديدة لإدارة الذكاء الاصطناعي في ضوء المخاطر التي حذر منها الخبراء مراراً. وكما ذكرت في المقالة السابقة، فقد تحرك البيت الأبيض نحو إيجاد ضمانات من صانعي التقنية نحو عدد من الجوانب الفنية كلها تجد مستقراً لها في الأخلاق.

يمكن لاتفاق البيت الأبيض مع سبع من شركات الذكاء الاصطناعي أن يعبر عن الرغبة في الشفافية، حيث تنفتح تقنياتها الجديدة أمام المجتمع ومؤسساته لضمان الالتزام بالأمن والسلامة. وإذا أردنا أن نمحص ما اتفق عليه، سنجد أن الضمانات تعالج مشكلة أخلاقية في الأساس. فإذا تنافست الشركات في إطلاق التطبيقات تنافساً حاداً، دون النظر إلى مصالح المجتمع وأمنه وسلامته، فإن التنافس سيدفع بالتنازل عن الشروط الأخلاقية لهذه التقنيات.

وبإنشاء مركز دولي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تساهم المملكة مساهمة نوعية في الحوار العالمي حول هذه التقنية، ملتزمة التزاماً حقيقياً لقيادة الملف الأخلاقي. فإذا كان الالتزام الأخلاقي الذي يتوقع من صانعي التقنية كبيراً، فإن تعريف هذه الأخلاقيات والاتفاق حولها دولياً أمر لا بد منه، ولن يكون ذلك إلا إذا أنيطت به مؤسسات متخصصة. الاستخدامات المتعددة للذكاء الاصطناعي في الطب والقانون والهندسة والتعليم وغيرها من المجالات، توحي بما لهذه التقنية من قدرة على التشعب في شؤون حياتنا كلها، وما للسؤال الأخلاقي من دور في كل ذلك، ومهما وضعت التشريعات والأنظمة من ضوابط، فإن مرد تطبيقها إلى ما لدينا من وعي بالأخلاقيات التي أسست عليها.

الغموض الذي يحيط بالذكاء الاصطناعي يسمح للدول والشركات والأفراد بتمرير أجنداتهم إذا شاؤوا دون رقابة، كما أن التقنية نفسها تحمل أخلاقيات صانعيها أيضاً وقد تبين ذلك في أكثر من مناسبة، سواء كانت الانحيازات التي تظهرها التقنية عرقية أو قومية أو دينية، مرجعها واحد أو متعدد، فإن الموقف من هذه الانحيازات أمام قوى السوق موقف مبدئي، إذا لم تتخذ الشركات الكبرى خطوات عملية لمحاربة ظهور الانحيازات في تطبيقاتها، أو الحد من استخدام تقنياتها لتضليل الرأي العام، فلن يستطيع أحد توقع ما لهذه التقنيات من تأثير على حياتنا.

ما زال الذكاء الاصطناعي في طور النمو، ولعله يبلغ عصره الذهبي قريباً، إنما قدراته الآن ليست كاملة. وما تثيره التقنية من أسئلة في الاستخدام المسؤول لها، هو ما يجب الحوار حوله عاجلاً، لأن الموارد التي تسخر لتطويرها كبيرة، ولا يوجد استثمار يماثله في دراسة الآثار التي ستنتج منه. هل علينا أن نمر بالتجربة كما يقول أوبنهايمر لنفهمها، وأن نعيش تحت وطأة أخطائنا فيها حتى لا يعود لشيء بعده من معنى؟ لعلنا نتحاشى الوقوع في هذا السؤال المر، بأن نبدأ الحوار مبكراً.

المصدر: الرياض