هل المتحمسون لفن الذكاء الاصطناعي يفقهون في الفنون؟
AI بالعربي – متابعات
هل تساءلت يوماً عما يكمن خارج الحدود التي تنتهي عندها لوحة ليوناردو دا فينشي “موناليزا”؟ أو كيف بدت قارعتا الرصيفين على جانبي غلاف ألبوم [فرقة الروك الإنجليزية “البيتلز”] “آبي روود” Abbey Road [حيث يظهر أعضاء الفرقة الأربعة وهم يعبرون ممراً للمشاة خارج استدويوهات “آبي روود”، وأصبحت هذه الصورة إحدى أشهر الصور في تاريخ الموسيقى الشعبية]؟ وماذا عن الأجزاء الأخرى من فضاء المدينة التي لا يرسمها فان غوخ في لوحته “الليلة المرصعة بالنجوم” The Starry Night؟
إذا كانت إجابتك عن أي من الأسئلة المذكورة “نعم”، في جعبتي أخبار سارة لك: في الفن، لا تسير الأمور على هذا النحو. لا وجود لجزء “يكمل” اللوحة الزيتية “صقور الليل” Nighthawks بريشة إدوارد هوبر، ذلك أنها تبدأ وتنتهي بما يراه هوبر مناسباً لينقله إلى القماش على شكل رسم. لا أشكال هندسية إضافية مخفية في انتظار أن نعثر عليها خارج حدود أعمال الفنان التجريدي الهولندي موندريان، لأنه في الأساس لم يرسم تلك الأشكال غير الموجودة في اللوحات. حتى في صورة مثل غلاف ألبوم “آبي روود” الغنائي، حيث كان يدور نشاط خارج حدود اللقطة لسنا على اطلاع به، تبقى هذه التفاصيل من دون معنى، لأن الفنان لم يلتقطها بعدسته، بحسب ما أشار موقع أندبندنت عربية.
ولكن حاول أن تقول ذلك لخبراء التكنولوجيا المولعين بالذكاء الاصطناعي الذين بلغت إهاناتهم التي لا تنتهي للفنون البصرية مستويات جديدة من الوقاحة في الأيام القليلة الماضية، عندما أخذت حسابات عدة على “تويتر” في نشر رسومات من صنيعة الذكاء الاصطناعي تتخيل كيف عساه يبدو المشهد “خارج الإطار” الذي يحدد أعمالاً فنية شهيرة [بمعنى توسيع حدودها ورسم معالم جديدة أبعد من الصورة الأصلية كأنه يكملها، وذلك طبعاً بمساعدة التوجيه البشري].
معلوم أن كثراً من أكبر مؤيدي الفن الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي أميون من ناحية القيمة الجمالية للفن، ولكنهم تفوقوا على أنفسهم هذه المرة. إذا صدف أن أفلح هؤلاء في توجيه إبداعاتهم إلى أي أمر آخر غير إيجاد طرق مبتكرة تفضي إلى تشويه إرثنا الثقافي المشترك، ربما يجدون أنفسهم دونما قصد يصنعون شيئاً مجدياً على سبيل التغيير.
القول إنك طورت وسيلة تسمح لك بـ”إكمال” الأجزاء غير الموجودة في لوحة “موناليزا” يشبه إضافة أضلاع أخرى إلى المثلث مثلاً والادعاء أنك جعلت منه شكلاً هندسياً أفضل. في الحقيقة، ينم ذلك عن فهم خاطئ لماهية المثلث أصلاً.
إنها القضية الجوهرية في التوجه الحالي صوب فن الذكاء الاصطناعي: جلي أنه يلقى الدعم من مجموعة أشخاص لا يفقهون في الفن شيئاً، ويشعرون بامتعاض تجاه من يملكون معرفة فنية. إذا كان فهمكم للفن يقول إن “الرسم أكثر يعني أعمالاً أفضل”، فلا ينبغي أن تكونوا جزءاً من النقاش أساساً، ولكن يبدو أن الهيمنة فيه لهذه الشريحة في الوقت الحاضر.
بطبيعة الحال، ليس من الخطأ إنشاء صورة جميلة وتعليقها على الحائط لأن أشكالها وألوانها تبعث فيك شعوراً جميلاً. ولكن تكمن المشكلة في محاولة اختزال الفن في هذا الشعور ولا شيء سواه.
شكل اللوحة ليس سوى جزء بسيط من أمور كثيرة تصنع نجاح الفن، وفي نهاية المطاف، يبقى الشكل جل ما يسع الذكاء الاصطناعي، ومؤيدوه، تقديمه لنا حقاً. مقاربة تافهة وسطحية لماهية الفن التي ينتهي إليها المرء إذا كان كسولاً جداً إلى حد أنه يعجز عن انتقاء كتاب والانغماس في قراءته فعلاً.
بالنسبة إلى الفن الحقيقي، الذكاء الاصطناعي أشبه بخشخشة المفاتيح في وجه الطفل مقارنة بتسليته والترفيه عنه. إنه ظل على حائط، وقد طلب منا التوهم بأن هذا الظل يتسم بالجودة عينها التي يبدو عليها الجسم الذي يصنعه في الأساس.
ولكن لماذا؟ لماذا يستثمر كثر في التشجيع على الفن الناتج من الذكاء الاصطناعي بينما من الواضح أنهم لا يظهرون أي شغف حقيقي بهذا المجال أساساً؟ صحيح أن المال يبدو عاملاً بديهياً، ولكن في المقابل لا يخفى على أحد أيضاً التوق الحقيقي الحالي إلى “وضع هذه الأنواع الإبداعية عند حدها” لدى من يشعرون باستياء لأنهم لا يحملون في دواخلهم أي ذرة إبداع.
يكمن الخطر الحقيقي الذي يطرحه الفن، أو الأدب المتولدان عن الذكاء الاصطناعي، بل في الواقع أي عمل إبداعي، في القول إن الآلة تحسن إنجازه تماماً كما يفعل رجل أو امرأة [مبدعان]. من البديهي أن نرى دافعاً إلى تحقيق الأرباح في التكنولوجيا بنواحيها كافة، ولكن [فن الذكاء الاصطناعي] هو واحد من الأمثلة النادرة التي يبدو فيها الهدف هداماً بشكل صريح.
بوصفه أداة مصممة كي يستعملها البشر، ينطوي الذكاء الاصطناعي قطعاً على مجموعة متنوعة من الاستخدامات. في مقدوره أن يقدم إطاراً مناسباً أو منطلقاً لعمل إبداعي حقيقي، وبالمثل يوفر تصفح منصة “تويتر” الدوافع للشكوى والتهجم على أخطار الفن الذي يصنعه الذكاء الاصطناعي.
ولكن إذا كنت تظن بأن [الذكاء الاصطناعي] يعزز الإبداع البشري أو يحل محله تماماً، بل أسوأ من ذلك، إذا كانت تعتريك حماسة تجاه هذا الاحتمال، فإن اعتقادك يثبت أمراً واحداً فقط: أنك أصلاً لم تفهم الفن أبداً.