من منظور تشومسكي

17

الذكاء الاصطناعي بات قضية الحاضر وسيظل قضية المستقبل، مع أن هذا “الذكاء” لم ينشأ اليوم، فمنذ أن ولجنا الفضاء الافتراضي وعالم الربوتات، فإننا، بصورة أو بأخرى، ولجنا فضاء هذا “الذكاء”، لذلك يصادفنا انقسام حاد في الرأي في الموقف منه. فثمة قائل: وما المشكلة في هذا الذكاء طالما سيجعل الحياة أكثر سهولة ويسراً، وسيتيح للبشر أن يبلغوا عوالم أرحب، غير مسبوقة، فبالإمكان أن يكون قوة من أجل الخير، حيث يمكن استخدام إنجازاته لتحسين حياتنا بعدة طرق، مثل جعل الرعاية الصحية أكثر كفاءة، وتزويدنا بتعليم أكثر تخصصاً، وبالمقابل فإن ثمّة من يقول: إن هذا الذكاء الاصطناعي ينذر بمخاطر جمّة على المستقبل البشري، فهو سيؤدي إلى تعطيل الكثير من المهارات التي اكتسبها البشر عبر قرون، وحتى لو كان هذا الذكاء نفسه من صُنع عقل الإنسان، فإنه كفيل بتعطيل العقول عن العمل الذي اعتادته، لأن الذكاء الاصطناعي سينوب عن هذه الأدمغة في فعل كل شيء، وستنجم عن ذلك بطالة واسعة، لأنه لن تعود هناك حاجة لعمل الإنسان، يدوياً وذهنياً، إلا في أضيق نطاق.

ليس صحيحاً أن هذه المخاوف تنطلق فقط من نزعة محافظة تخشى التطور، فمفكرون من الوزن الثقيل يحذرون منها، وهذا ما سنجده في أقوال الناشط والباحث البارز نعوم تشومسكي، الذي يرى أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أنظمة أسلحة مستقلة يمكن أن تقتل دون تدخل بشري، وأنه يمكن أيضاً استخدامه لفرض رقابة على المعلومات والتحكم فيها، أكثر من تلك القائمة حالياً. وفي مقابلة مع “نيويورك تايمز” قال تشومسكي: “إن الذكاء الاصطناعي تقنية خطيرة للغاية، وإنه ليس من الواضح أننا نستطيع السيطرة عليها، ويمكن أن تستخدم لخلق عالم من السيطرة الشمولية، بل يمكن أن يقود إلى نهاية الحضارة الإنسانية”.

ومن أهمّ ما قاله تشومسكي، في تقديرنا، هو إشارته النابهة إلى أن هذا الذكاء الاصطناعي يتمّ تطويره من قبل مجموعة صغيرة من الشركات الخاصة، غير المساءلة أمام الرأي العام، ولا السلطات التشريعية حتى في البلدان التي تتوافر على مقادير وازنة من حرية الرأي والتعبير والمساءلة، وبتعبيره فإن هذا الذكاء “يتم تطويره بطريقة غير ديمقراطية إلى حد كبير”، مطالباً بالمزيد من الإشراف العام على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره، لكي لا يوظف لأغراض مدمرة، إن ترك الأمر لأصحاب رؤوس الأموال وللشركات التي تسعى الى مضاعفة عوائدها وأرباحها، غير آبهة بالمخاطر. جدل مثل هذا سيظل مستمراً، ولعله يكون محفزاً على وضع تشريعات صارمة تحول دون توظيف الذكاء الاصطناعي في أغراض شريرة.

المصدر: الخليج

اترك رد

Your email address will not be published.