مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأسواق
د.صلاح بن فهد الشلهوب
الأسواق المالية واحدة من أهم أدوات الاقتصاد في معظم الدول في العالم، فهي قناة لتسهيل التداول في السلع والخدمات والمعادن والطاقة، كما أنها أداة فاعلة للتمويل والاستثمار، والأسواق المالية منصة أسهمت في نمو النشاط الاقتصادي وبناء شركات عملاقة لتقديم السلع والخدمات التي كان لها دور كبير في التطور الذي يشهده العالم وما زالت الأسواق المالية تؤدي دورا فاعلا وإيجابيا في تنمية الأنشطة الاقتصادية ولذلك أصبحت الدول تهتم بالبورصات بصورة كبيرة وتسعى لتسهيل الأطروحات الأولية في الأسواق ووفقا لخطط المملكة خلال الفترة المقبلة التي تستهدف وصول السوق المالية السعودية إلى المرتبة الثالثة عالميا وهذا يعني أن تتضاعف عن وضعها الحالي ثلاثة أضعاف ولا شك أن هذا تحد كبير لكن العمل والمشاريع القائمة بحجم الميجا بروجكت تعزز فرص تحقيق هذا المستهدف، إضافة إلى تشجيع الشركات في السوق إلى طرح أسهمها والاستفادة من الدعم الحالي لذلك، كما أن التطور الحالي الذي تشهده السوق المالية عزز فرص طرح شركات غير سعودية في السوق السعودية.
التطور التقني المذهل عزز فرص الاستثمار في الأسواق المالية، حيث نشاهد اليوم أن الاستثمار في الأسواق، خصوصا الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة أصبح ميسرا أكثر من ذي قبل من خلال منصات تقنية تسمح بالتداول مباشرة أو من خلال صناديق ضخمة تستثمر عادة في الأسواق العالمية المتقدمة وهذا ما قد يفسر تماسك السوق حاليا رغم أن التوقعات كانت تشير إلى تدهور الأسواق في ظل رفع مستمر لأسعار الفائدة.
الذكاء الاصطناعي يعد اليوم ثورة في حياة الإنسان قد يجعلها البعض تطورا لا يقل عن التطور الذي حصل للإنسان في الثورة الصناعية ومن ثم التطور التقني واليوم الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يحل فعليا بديلا لكثير من الوظائف والمهام التي كان يقوم بها الإنسان، ومن المهام التي كانت تعتمد عليها الشركات المالية وتوقعاتها للأسواق هو الخبراء الذين يقومون بالدراسات والإحصائيات والتوقعات وفق منهجيات صعبة ومعقدة لتمكين الشركات المالية من وضع خططها المستقبلية بما يحقق عوائد عالية، ولذلك يحقق هؤلاء الخبراء دخلا سنويا عاليا نتيجة للنتائج التي يمكن أن تتحقق نتيجة دراستهم وآرائهم، لكن هذه الوظيفة اليوم أصبحت في خطورة عالية بسبب وجود الذكاء الاصطناعي، حيث سيحل الذكاء الاصطناعي قطعا محل هذه الوظائف بنتائج يرى كثيرون أنها أدق وأكثر شمولية وأسرع في النتائج. وهنا ترد مجموعة من التساؤلات التي يمكن أن تجعل هناك قلقا بالقدر الذي يشعر فيه الإنسان بحجم المنافع من نتائج الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي هل سيوجد مسارا متشابها على غرار الصناعات التي تتم من خلال الروبوت التي تكون بدقة عالية ومتشابهة في قطعها وبالتالي عندما نسأل بعض البرامج المختصة في الذكاء الاصطناعي عن العملات المشفرة مثل بيتكوين وتأتي النتائج إيجابية على المدى المتوسط، فهل سيكون ذلك قفزة لها في أسعارها اليوم؟ وعندما يكون السؤال عن الدولار مثلا ومستقبله في ظل التحديات الحالية وتأتي النتيجة سلبية فهل سيبدأ العالم بالتخلي عنه فورا؟ وإذا ما كان السؤال مثلا عن أسهم معينة أو قطاع محدد وتأتي الإجابة عليه قبل حدوث تغيرات فعلية فهل ستؤثر الإجابة في اتجاه المستثمرين؟
الأمر الآخر هل ستكون إجابات هذه المنصات متشابهة أم ستختلف كما يختلف الإنسان رغم أنها أدوات تفتقد إلى الروح التي تؤثر في قرارات الإنسان رغم التساوي في المعلومة ومصادرها، لكن القرار في نهاية الأمر مختلف.
من المتوقع ألا تكون هذه الخدمات مجانية أو على الأقل المتقدمة منها ستكون لها قيمة وتكلفة عطفا على النتائج المذهلة التي يمكن أن تحققها، وبالتالي فقد يصنع ذلك فارقا بين المستثمرين بقدر قدرة البعض على الوصول إلى هذه الخدمات، ولذلك لا يتوقع أن تقضي هذه المنصات على الفوارق التي ستكون بين الناس.
ويبقى أن عامل الاحتيال والتأثير في قرارات منصات الذكاء الاصطناعي وارد وبالتالي قد يتسبب ذلك في البناء على نتائج خاطئة قد تفتح الباب واسعا للاحتيال.
الخلاصة: إن الذكاء الاصطناعي بقدر ما سيصنع واقعا أفضل للإنسان سنجده في الوقت ذاته سيكون مصدر قلق للبعض عطفا على النتائج غير الواضحة للعيان اليوم، ولذلك من المهم اليوم أن تكون هناك جهود كبيرة في تنظيم أخلاقيات هذا التطور كي لا يؤثر بشكل سلبي وكبير في الأسواق المالية ويفقد الثقة فيها رغم دورها المهم والمؤثر في النشاط الاقتصادي في العالم.
المصدر : الاقتصادية