الذكاء الاصطناعي.. وجه مشرق وآخر مظلم
حسن علي القحطاني
البريطاني آلان ماتيسون تورنغ مخترع النموذج النظري البسيط الذي يحاكي طريقة عمل الحاسوب الآن عام 1936م (هذا النموذج الذي يعطي تعريفا رياضيا دقيقا للمصطلح خوارزم Algorithm) قدم ورقة علمية قبل 73 عاما (1950م)، عن استخدام الآلات في حل المشاكل واتخاذ القرارات بناء على البيانات المتاحة، بالإضافة إلى طرق بناء الآلات الذكية، لكن واجهته مشكلة أن الحاسوب لم يكن في ذلك الوقت يخزن المعلومات، ليس له ذاكرة، كما أن تكلفته باهظة الثمن، وبعد خمس سنوات (1955م) صمم مجموعة من العلماء برنامج لحل مشكلات الناس عن طريق الآلة وأثبتوها بالمنطق، بتمويل من شركة راند الأمريكية.
وكان هذا أول برنامج ذكاء اصطناعي في التاريخ، ولبيع البرنامج والحصول على دعم أكبر نظموا مؤتمرا بعدها بعام (1956م) ولد فيه مصطلح (الذكاء الاصطناعي)، لم يحقق ما كان مرجوا منه، إلا أن الأمريكيين (جون مكارثي) و(مارفن منسكي) أكملا الطريق وأبحاثهما تعتبر أساسا للأبحاث التطويرية للذكاء الاصطناعي، هدأت الأمور بعد ذلك، ولك أن تقول توارى هذا المشروع عن الأنظار، حتى قررت حكومة اليابان استثمار وتمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي بحوالي 400 مليون دولار بين عامي 1982م و1990م بهدف الريادة ومواكبة ثورة الحاسوب، وللمرة الثانية تفشل الفكرة والتمويل يتوقف، وفي عام 1997م أقيمت مباراة في الشطرنج أمام الملايين وبزخم إعلامي كبير خسر فيها بطل العالم السوفيتي سابقا والروسي حاليا غاري كيموفيتش كاسباروف من برنامج حاسوب صنعته شركة (IBM) الأمريكية، وهذا أعاد سباق حكومات الدول لتمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه، حتى وصلنا لسيطرة حقيقية للذكاء الاصطناعي على الصناعات الكبيرة والخطيرة عام 2018م.
هذه الأداة لها وجهان، الأول مشرق مثل توقعات الطقس وصناعة الأدوية واكتشاف اللقاحات وتنفيذ العمليات الجراحية المعقدة والتحذير من الكوارث قبل حدوثها والتفاعل بشكل أسرع لإنقاذ أكبر قدر من الأرواح؛ ويساعد في تطوير الزراعة وتخفيف آثار التغير المناخي ومعالجة المياه وتحليل التنوع البيولوجي ويخفف أيضا من عواقب الأعمال الخطيرة على حياة البشر في المناجم ومصانع الحديد والنقل الجوي، فوائد لا يمكن حصرها.
الثاني وجه مظلم أما سلمي أو حربي، فالذكاء الاصطناعي سيجعل القطاعات الحكومية وقطاعات المال والأعمال تستغني عن الكثير من الوظائف بمختلف المراتب والدرجات والمستويات وتصرف النظر عن الخبرات والمهارات البشرية التي ستقف عاجزة أمام سرعة وإتقان الآلة التي تعمل تحت برامج الذكاء الاصطناعي (Al).
الجانب الأخطر على الإطلاق هو الجانب الحربي، وكمثال تحولت الحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا لساحة حرب قاسية على البلدين، رغم أن استمرارها وعدم الحسم فيها يعود لأسباب كثيرة إلا أن من أهم الأسباب هو ولادة جيل خامس جديد من الحروب تعتمد على أحدث التقنيات الحربية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تدار من مكاتب مكيفة وبأعداد قليلة من الفنيين، روسيا استخدمت الذكاء الاصطناعي في القنابل الذكية شديدة التدمير؛ دقيقة الإصابة، وفي توجيه الصواريخ فرط الصوتية لأهدافها بكل دقة، أوكرانيا استفادت من المنظومة الذكية (هيمارس) الأمريكية وحققت مكاسب جيدة في المعارك، قدمت لهم شركة (Cleaview) مجانا تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد الهوية من خلال الصوت أو الصورة مما تسبب في حملة اغتيالات لقادة الألوية الروس واستهدافهم بشكل مباشر في الشهور الأولى من الحرب.
أخيرا، على المستوى الشخصي أنا متفائل لأن أي ابتكار جديد يسابقه الحديث عن المخاطر التي قد تنشأ منه، كحديث المستقيل جيفري هينتون الملقب بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي في شركة Google، فنحن لا زلنا في الجولة الأولى مع الذكاء الاصطناعي، ولكن ومن وجهة نظري لسنا بعيدين عن الوصول لمرحلة استقلال الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرار بعيدا عن تحكم البشر، وهنا يكون التنبؤ بما سيكون عليه الحال مع ذكاء اصطناعي غير دقيق، ومع ذلك وعلى رأي الكاتب السعودي الأستاذ مشعل السديري (اللي قادر على تحضير العفريت قادر على صرفه).
المصدر: مكة