لماذا لا تشابه طفرة الذكاء الاصطناعي أزمة الدوت كوم؟

16

AI بالعربي – متابعات

إن الضجة الإعلامية حول الذكاء الاصطناعي منذ أن أعلنت مايكروسوفت عن استثمارها في تشات جي بي تي في كانون الثاني (يناير) تعيد إلى الذاكرة تجاوزات فقاعة الدوت كوم.
عززت شركة إنفيديا، عندما تجاوزت القيمة السوقية الأسبوع الماضي لفترة وجيزة تريليون دولار، الشعور بالوضع المألوف. “إنفيديا” هي شركة تشغل رقائقها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التطبيقات في تشات جي بي تي من بين أشياء أخرى. فهل هي حالة “ها نحن عدنا”؟
في الواقع، كلا. فهناك كثير حول ضجة الذكاء الاصطناعي هذه في الأسواق، وهي ضجة صحية.
كان الهبوط في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى العام الماضي مرتبطا إلى حد كبير برفع البنوك المركزية أسعار الفائدة. إذ أدى تطبيق معدل خصم أعلى على التدفقات النقدية المستقبلية في المدى البعيد في قطاع التكنولوجيا إلى تقليص القيمة الحالية لتلك التدفقات النقدية. والتعافي الذي حدث هذا العام، بعيدا عن كونه مدفوعا من قبل البنوك المركزية، يعكس شيئا حقيقيا.
إن محاكاة الذكاء البشري في الآلات لديها إمكانات هائلة لتغيير الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد. وسيستفيد بعض الناس بشكل كبير من هذه العملية. في حالة “إنفيديا”، قامت بالفعل بأداء متميز هذا العام.

ولأن دورة التشديد النقدي جارية منذ بعض الوقت، من السهل أن ننسى كيف كانت ظروف سوق الذكاء الاصطناعي وإلى متى ستستمر كذلك. حيث يشير تقرير جديد صادر عن معهد ماكينزي العالمي إلى أنه قبل مطلع الألفية، كان النمو في صافي الثروة العالمية يقتفي إلى حد كبير آثار النمو في الناتج المحلي الإجمالي. لكن بعد ذلك حدث شيء غير عادي.

نحو عام 2000، مع اختلاف التوقيت حسب البلد، بدأت القيمة الصافية وقيم الأصول والديون تنمو بشكل أسرع بكثير من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المقابل، كان نمو الإنتاجية في أوساط دول مجموعة السبع بطيئا، حيث انخفض من 1.8 في المائة سنويا بين 1980 و2000 إلى 0.8 في المائة من 2000 حتى 2018. لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على المساعدة في نقلنا إلى ما وراء هذا العالم من ارتفاع أسعار الأصول والنمو المعتمد على الديون عبر قدرته على تحسين الإنتاجية.

يرى داريو بيركنز من “تي إس لومبارد” أن آليتين ستقودان هذا التحسن. أولا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل العمليات الحالية أكثر كفاءة. فهو يساعد العاملين بالفعل على اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أفضل، وتحسين عملياتهم والتخلص من المهام العادية. وينبغي للزيادة الناتجة في كفاءة القوى العاملة أن تعزز الناتج الكلي.

ثم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد العاملين على ابتكار أشياء جديدة، والتوصل إلى اكتشافات جديدة، وإيجاد تقدم تكنولوجي يمكن له أن يرفع الإنتاجية في المستقبل. وفي الوقت نفسه، أظهرت عدة دراسات أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، القادر على التعلم الذاتي وأداء عديد من المهام، سيعزز كفاءة العاملين والشركات التي تستخدمه.
لاحظ أيضا أن هذا يمكن أن يحدث بوتيرة أسرع بكثير من أي شيء حدث في فقاعة الدوت كوم. وقد وصلت النسخة العامة من تشات جي بي تي إلى 100 مليون مستخدم في شهرين فقط. وتقدر شركة جلوبال داتا لتحليل البيانات “التي استحوذت على شركة تي إس لومبارد” أن سوق الذكاء الاصطناعي العالمية ستبلغ قيمتها 383 مليار دولار في 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يزيد 21 في المائة عن 2022.

ركزت كثير من تعليقات وسائل الإعلام على المجال الذي يمكن فيه للذكاء الاصطناعي أن يتسبب في ارتفاع معدل البطالة، وهو الخوف الذي شجعه المتحمسون للذكاء الاصطناعي الذين يتحدثون عن خفض تكاليف العمالة. ومع ذلك، يشير بيركنز إلى أن التأثير النهائي للتكنولوجيا في أسواق العمل غامض من الناحية النظرية.
وذلك لأن للتقدم التكنولوجي تأثيرين متناقضين: تأثير الاستبدال أو الإزاحة، حيث يمكن للتكنولوجيات التي توفر في العمالة أن تحل محل العاملين، وتأثير الدخل أو التعويض، حيث تجعل التكنولوجيا جميع البضائع والخدمات أرخص، لترفع بذلك الدخل الحقيقي وتولد مصادر جديدة للطلب في قطاعات أخرى من الاقتصاد. على مر التاريخ، كان تأثير التعويض يفوق باستمرار تأثير الإزاحة.

لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا مما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيقاوم هذا الاتجاه التاريخي أو يصل بالفعل إلى مستويات الفهم البشرية أو يتجاوزها. وفي مرحلته الحالية من التطور، يمكن أن يكون غير جدير بالثقة بل ويلفظ أشياء لا معنى لها. والشيء الذي لا يمكن تحديده بالدقة نفسها هو ما إذا كان التأثير الانكماشي للذكاء الاصطناعي سيفوق القوى التضخمية الحالية الناتجة عن نقص الإمدادات وضيق أسواق العمل وضغط الأسعار التصاعدية في المستقبل بسبب تراجع أعداد القوى العاملة في العالم المتقدم وفي الصين.
كشف جنسن هوانج الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، الأسبوع الماضي عن “نقطة التحول في عصر الحوسبة الجديد”. قد يكون على حق في ذلك. إذ يبدو من المرجح أن تستمر كبرى شركات التكنولوجيا في السير نحو إيقاع مختلف عن الشركات الأكثر تقليدية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 التي تعد أكثر حساسية للسياسة النقدية. ومن الدروس التي يجب أن يتذكرها المستثمرون من حقبة الدوت كوم هو أن كثيرا من الخبث يزداد بجانب الشركات ذات الجوهر الحقيقي. وفي تقييمات اليوم، قد لا نكون بعيدين عن غربلة الخبث.

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.