الضجيج حول شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي الناشئة يجذب المستثمرين

52

AI بالعربي – متابعات

يتجه أصحاب رأس المال الاستثماري إلى الاستثمار في الشركات الناشئة المختصة في الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح الضجيج المتزايد حول “الذكاء الاصطناعي التوليدي” يملأ الفراغ الذي تركه فشل مشاريع العملات المشفرة والبلوكتشين.

أدت القفزة الأخيرة في تطورات برامج الحاسوب التي يمكنها كتابة النصوص وابتكار أعمال فنية في ثوان إلى زيادة اهتمام المستثمرين بها، ما أدى إلى حالة استثنائية ظهر فيها بصيص من النور يملأ المشهد الذي تهيمن عليه التقييمات المتدهورة للشركات الناشئة والتخفيضات في أعداد الوظائف.

أطلقت شركة أوبن أيه آي – مقرها سان فرانسيسكو التي تعد “مايكروسوفت” أكبر ممول فيها – أحدث نسخة من برنامجها جي بي تي-3.5 للجمهور الأسبوع الماضي، الذي يمكنه التحدث مع المستخدمين من خلال النص، بالإجابة عن أسئلة المتابعة، والاعتراف بالأخطاء ورفض الطلبات غير اللائقة.

وخلال خمسة أيام، تجاوز عدد مستخدمي “تشات جي بي تي” مليون مستخدم، كما أشاد به الملياردير إيلون ماسك، أحد مؤسسي شركة أوبن أيه آي، الذي ترك مجلس الإدارة في 2018، الذي نشر تغريدة على “تويتر” قال فيها “إن (تشات جي بي تي) هو شيء مخيف بشكل جيد. نحن لسنا بعيدين عن ذكاء اصطناعي قوي الدرجة والخطورة”.

حرية العبث بتكنولوجيا ذكاء اصطناعي قوية أثارت أفكارا لعدد لا يحصى من بين المستثمرين ورجال الأعمال لبدء شركات ناشئة.

قال إد ستايسي، الشريك الإداري في شركة آي كيو كابيتال “يمكن لأي مؤسسة فهم هذه الأفكار والبدء في التدريب عليها واللعب بها، حتى يروا ما يمكنهم أن يخرجوا به. من غير المنطقي الآن أن نقف متفرجين بعد الآن”.

نظرا لأن وسائل التواصل الاجتماعي للمستثمرين في وادي السيليكون ممتلئة بأمثلة من الصور والنصوص التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، فإن التحول إلى الذكاء الاصطناعي يأتي في وقت يتضاءل فيه الاهتمام بما يسمى “ويب 3″، وهي رؤية للعوالم الافتراضية اللامركزية المبنية على تكنولوجيا البلوكتشين، وسط الانهيار الأخير الذي شوهد في العملات المشفرة.

قال كولين تريسيلير، المؤسس المشارك لشركة سوبرنورمال، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتلخيص الاجتماعات المنعقدة عبر الإنترنت “هناك دورة ضجيج ضخمة. فبعد أن انتهى الضجيج حول (ويب 3) أصبح هؤلاء الأشخاص يبحثون عن موضوع جديد”.

وقد ارتفعت استثمارات رأس المال الاستثماري في الذكاء الاصطناعي التوليدي 425 في المائة منذ 2020 لتبلغ 2.1 مليار دولار هذا العام، وفقا لبيانات من شركة بتش بوك، على الرغم من التراجعات في عموم سوق التكنولوجيا.

قال أحد رواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي “إنه غرق في العروض التي تلقاها من أكثر من 20 مستثمرا آخر”، ذلك بعد أن ناقش إمكانية جمع التمويل مع ثلاثة مستثمرين فقط، حيث حصل على التمويل بعد أسبوع من عقد اجتماعات خاطفة حول العالم.

مثلت صفقتان أبرمتا في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) البداية لموجة التمويل الأخيرة، التي شهدت استثمارات قامت بها كل من شركة كوتشو مانيجمنت و”لايت سبيد فينتشور بارتنرز”.

كانت شركة جاسبر- التي تصف نفسها بأنها “الذكاء الاصطناعي المختص في تأليف الإعلانات” للمسوقين – قد جمعت 125 مليون دولار بتقييم قدره 1.5 مليار دولار، في حين جمعت إحدى الشركات التي تقف وراء أداة ستيبل ديفيوجن لإنشاء الصور – وهي “ستايبيليتي أيه آي” ومقرها لندن – 101 مليون دولار، في خطوة أوصلتها إلى مرتبة وحيدة قرن، ذلك عندما يصبح تقييم الشركة مليار دولار. هذا الأسبوع، جمعت شركة أخرى تستخدم نموذج ستيبل ديفيوجن، هي شركة رنواي، 50 مليون دولار.

عندما شارك كريستوبال فالينزويلا في تأسيس شركة رنواي قبل أربعة أعوام، أخبره المستثمرون بأن “الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بالشيء المهم”. قال “اعتقد الجميع أننا كالمجانين”، وأضاف أن “المستثمرين الآن يقولون عن هذه التكنولوجيا إنها قد تصبح تحويلية، كما كان الهاتف المحمول قبل 20 عاما”.

قال فالينزويلا “إن التغيير الذي جرى أخيرا هو أن نوعية النماذج أصبحت جيدة حقا. الأمر لم يعد يتعلق بالقول (دعونا نتخيل مستقبلا يمكن لهذا الأمر أن يحدث فيه) بل إنه يحدث الآن”.

يعد البرنامج الفني من “تشات جي بي تي” و”أوبن أيه آي” وكذلك “دال-إي”، إلى جانب أدوات الرسم المنافسة مثل “ستيبل ديفيوجن” و”ميدجورني”، أمثلة على استخدام نماذج كبيرة للغة والصور، تسمى أحيانا بالذكاء الاصطناعي التوليدي أو النماذج الأساسية، التي يمكن أن تنتج محتوى بناء على السياقات السابقة من الكلمات أو الصور.

في أيلول (سبتمبر)، تعاون الشركاء في “سيكويا كابيتال” على كتابة أطروحة استثمارية باستخدام برنامج جي بي تي-3، قائلين “إن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على إنتاج مسودات نهائية نصية أفضل من المستوى المتوسط للبشر، وإنشاء نصوص رمزية على نطاق تجاري وابتكار مسودات للصور والألعاب، ذلك خلال العامين المقبلين”.

خلص تحليل سيكويا إلى أن “الذكاء الاصطناعي التوليدي في طريقه لأن يصبح أسرع وأرخص ثمنا فقط، بل سيصبح أفضل مما يصنعه البشر بأيديهم في بعض الحالات”.

كانت الشركة قد استثمرت في هاجينج فايس في أيار (مايو) في جولة التمويل الثالثة التي قيمت الشركة الناشئة – التي تملك النموذج اللغوي الكبير الخاص بها ويدعى بلوم – عند ملياري دولار.

من المقرر أن تبلغ قيمة السوق العالمية لحلول المحتوى المعزز بالذكاء الاصطناعي 2.3 مليار دولار هذا العام ومن المتوقع أن تنمو عموما 17 في المائة حتى 2025، وفقا لبحث أجرته شركة بتش بوك. لكن المجموعة أضافت في التحليل أن “التكنولوجيا قد لا تحقق عائدات عالية على المدى القصير، لأن المهن ستقاوم حلول الذكاء الاصطناعي وأنه لا يزال يتعين على التكنولوجيا أن تنضج”.

نظرا إلى ارتفاع تكاليف إدارة البرامج إضافة إلى تخزين كميات هائلة من البيانات المستخدمة لتعليم برامج الذكاء الاصطناعي، كانت نماذج اللغات الكبيرة في السابق حكرا على عمالقة التكنولوجيا مثل “مايكروسوفت” و”جوجل” و”فيسبوك”.

لكن شركة أوبن أيه آي أتاحت تكنولوجيتها من خلال واجهة لبرمجة التطبيقات، متيحة لأي شركة استخدام إمكاناتها.

تأسست شركة أوبن أيه آي في 2015 باعتبارها شركة غير ربحية مستندة إلى مبدأ أن تجعل الذكاء الاصطناعي متاحا للجميع وأن تطور التكنولوجيا لتصبح آمنة، وهي من بنات أفكار بعض أكثر المفكرين راديكالية في عالم التكنولوجيا، مثل ماسك وبيتر ثيل.

في 2019، أصبحت “أوبن أيه آي” شركة تهدف إلى الربح، وبعد فترة وجيزة حصلت على صفقة بقيمة مليار دولار من “مايكروسوفت”، بما في ذلك استخدام نظام أزور للحوسبة السحابية الخاص بها من أجل إجراء التجارب. بموجب الاتفاقية، تحصل “مايكروسوفت” على أول الفرص لتسويق النتائج المبكرة للأبحاث التي تجريها “أوبن أيه آي”.

جاء اهتمام “مايكروسوفت” بشركة أوبن أيه آي كجزء من محاولاتها لاستعادة تميزها في الذكاء الاصطناعي بعد أن قامت شركة جوجل المنافسة باستثمار ضخم كي تستخدم هذه التكنولوجيا لأغراض تتعلق بالبحث والكلام، إضافة إلى استحواذها على شركة ديب مايند للذكاء الاصطناعي ومقرها لندن مقابل نحو 400 مليون جنيه استرليني في 2014.

قال ستايسي من “آي كيو كابيتال”، “إحدى المزايا التاريخية الكبرى التي تتمتع بها الشركات هي إمكانية الوصول إلى مجموعات بيانات كبيرة مسجلة الملكية في العادة. لقد تمكنوا من استخدام مجموعات البيانات هذه لتدريب النماذج الكبيرة والأكبر منها أيضا”.

تقدر تكلفة تشغيل “تشات جي بي تي” في المتوسط بضعة سنتات للدردشة الواحدة، وفقا لسام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي. عند سؤاله على “تويتر” عما إذا كانت الأداة ستكون مجانية إلى الأبد؟ أجاب قائلا “سيتعين علينا استثمارها بطريقة ما وفي مرحلة ما، لأن تكاليف الحوسبة عالية جدا”.

أثبتت الأداة شعبيتها في الأيام الأخيرة لدرجة أن المنصة حدت من عدد الأشخاص الذين يمكنهم استخدامها. كما أن الشركة بصدد جمع مزيد من التمويل من المستثمرين، وفقا لشركة ذا إنفورميشن، كما نشر ألتمان تغريدة هذا الأسبوع بأنهم يتطلعون إلى تعيين مزيد من الموظفين.

قامت شركة بلوك فينتشور، وهي شركة رأسمال استثماري تركز على مجال التكنولوجيا العميقة ومقرها المملكة المتحدة، بتركيز استثماراتها على أنواع التكنولوجيا التي تمكن من استخدام الحوسبة السحابية بمستويات عالية، وذلك لتقليل التكاليف والطاقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي التوليدي.

قال ديفيد ليفتلي من “بلوك فينتشورز”، “نحن في عالم تحاول فيه الشركات الوصول إلى صافي الصفر من انبعاثاتها الكربونية، كما أن رفاهية وجود روبوتات محادثة يمكننا التحدث إليها من خلال الذكاء الاصطناعي تتسبب في الضرر للكوكب في مراكز البيانات هذه”.

تتبنى شركة رنواي، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، نهجا أكثر طموحا وأعلى تكلفة، حيث تقوم بإجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية لبناء النماذج وتحويلها إلى مجموعة من الأدوات لإنشاء الصور والتعاون التي تستخدم الآن من قبل شركات مثل “بابليسيز” و”جوجل” و”سي بي إس”.

قال فالينزويلا “هناك كثير من الشركات التي تبني على واجهات برمجة التطبيقات الحالية (أيه بي آي) لكن ما نراهن عليه على المدى الطويل هو أنك بحاجة لأن تمتلك مجموعة الأدوات الخاصة بك، كما تحتاج إلى امتلاك التكنولوجيا الخاصة بك للسماح لك بإجراء التغييرات بسرعة أكبر وسهولة أكبر إذا لزم الأمر”.

أصر فالينزويلا على أن الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل شركة رنواي يمكن أن تتفوق على شركات التكنولوجيا الكبرى قائلا “إن التحركات تتم بسرعة كبيرة في هذا المجال. إن معدل سرعة التعلم مهمة حقا، وهي الكيفية التي تتأقلم بها والطريقة التي تتغير بها”.

من خلال إتاحة “تشات جي بي تي” للجميع، تستطيع شركة أوبن أيه آي أن تجمع مزيدا من البيانات لتدريب نماذجها اللغوية الكبيرة والتخلص من الأخطاء الموجودة.

من القيود المهمة على التكنولوجيا، وما يشبهها من أدوات الذكاء الاصطناعي، هو ما يسمى بـ”الهلوسة”، حيث يقدم البرنامج إجابة مقنعة لكنها غير صحيحة من الناحية الواقعية كما أنه يواجه صعوبة في العمليات الحسابية البسيطة. قيل في أحد الأمثلة المنشورة على “تويتر”، “إن (تشات جي بي تي) زعم خطأ أن أنجيلا ميركل وجيرهارد شرودر ينتميان إلى الحزب السياسي نفسه”.

قالت كاريسا فيليز، الأستاذة المشاركة في معهد الأخلاقيات والذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد “إن الاحتمال كبير بأن تنشر أداة تشات جي بي تي المعلومات المضللة. إذا طلبت منها تأليف نظرية مؤامرة حول كوفيد، فسيكون بإمكانها تقديم نظرة مقنعة حقا”.

تقر شركة أوبن أيه آي بأن أداة جي بي تي “تكتب أحيانا إجابات تبدو معقولة لكنها غير صحيحة أو غير منطقية”، وهي من القيود الأخرى على التكنولوجيا، الأمر الذي دفع كثيرين إلى اقتراح أن هذه التكنولوجيا بحاجة إلى تدخل بشري قبل أن يتم دمجها في الأعمال التجارية.

قالت ليزا ويفر لامبرت، مسؤولة الأسهم الخاصة والبيانات والذكاء الاصطناعي في “مايكروسوفت”، “هناك كثير من التساؤلات حول مدى جدوى هذه النماذج وقدراتها من الناحية التجارية”، كما قالت “إن الذكاء الاصطناعي التوليدي في طور التجريب”.

وأضافت “إذا كنت أتطلع إلى الاستثمار في هذا المجال، فسأفكر مليا قبل ذلك، ما مشكلات العمل الحقيقية والموجودة بالفعل التي كان الناس يعملون على الرغم من وجودها، وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتوصل إلى طريقة أسرع وأرخص لتحقيق الشيء نفسه؟”.

اترك رد

Your email address will not be published.