طريق طويل أمام الذكاء الاصطناعي.. تعقيدات جمة لدمجه مع بيئة العمل الراهنة
AI – بالعربي
دعونا نتخيل أننا في 2050، ودعونا نسأل أنفسنا كيف سيكون شكل الأشياء المحيطة بنا؟ هل ستكون السيارات طائرة؟ هل سيكون في مقدورنا السفر عبر الفضاء بسلاسة وسهولة؟ هل سنسير جنبا إلى جنب مع الروبوتات في الشوارع؟
في الواقع العديد من تلك الأفكار، التي تبدو خيالية توجد تباشيرها الأولى بيننا في الوقت الحالي، ومن المرجح أن عديدا من الاتجاهات التكنولوجية، التي يتوقع أن توجد في 2050 سيتم تبنيها على نطاق واسع بنهاية العقد الحالي.
لا شك أن الاضطرابات، التي نالت من الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا، سرعت من الجدول الزمني لاستخدام تكنولوجيا المستقبل، وبات الذكاء الاصطناعي والروبوتات جزءا متزايدا في عمل الشركات الكبرى على الأقل، وسط اتفاق جماعي بأن الاقتصاد الرقمي هو المسار، الذي يسير فيه الاقتصاد العالمي، الذي سيعيد تشكيل الأنشطة التجارية والأسواق في الأعوام المقبلة.
لكن تلك القناعة لا تنفي وجود صعوبات وتعقيدات جمة في الطريق، بل وهناك اتهامات من قبل شخصيات وأسماء مرموقة في عالم الاقتصاد والتجارة بأن استخدام الشركات الكبرى للذكاء الاصطناعي لا يرقى للضجيج، الذي تثيره تلك الشركات بهذا الشأن، لأسباب لا تتعلق بتلك الشركات واستثماراتها في هذا المجال، بقدر تعلقها بتطور الذكاء الاصطناعي والروبوتات، الذي لا يزال في مراحل مبكرة للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن طرق وأساليب تساعد على الإسراع بعملية الدمج بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات وبيئة العمل الراهنة.
لكن الإقرار بوجود طريق طويل أمام الذكاء الاصطناعي ليقطعه، قبل أن يكون جزءا أساسيا في الحياة اليومية لمليارات البشر، والإقرار أيضا بأن عديدا من الاكتشافات، التي تحدث في المعامل والمختبرات في مجال الذكاء الاصطناعي تحديا قد تستغرق أعواما لتدخل التطبيق العملي، لا ينفي أن تواصل شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون وجوجل ومايكرسوفت وأبل وفيسبوك استثمار مليارات الدولارات لتوظيف باحثين موهوبين في مجال الرياضيات والهندسة والذكاء الاصطناعي يمكنهم تحسين كل شيء، لتكون الروبوتات والذكاء الاصطناعي أكثر اندماجا وملاءمة لعالم المستقبل.
من جانبها، تقول لـ”الاقتصادية” الباحثة في مجال الاقتصاد الرقمي تيلدا ديفيد، إنه “لا شك أن جائحة كورونا أسهمت في تقديم دفعة جيدة لاقتصادات الذكاء الاصطناعي، إذ بات لدينا الآن جيل جديد من المستهلكين نتيجة تفشي الوباء، وحفزت الجائحة عديدا من المستهلكين ليتعلموا كيف يكونون رقميين في جميع جوانب حياتهم، سواء تعلق ذلك بالشراء أو التعامل مع مختلف القطاعات التجارية الأخرى، بل حتى مع الأصدقاء والأقارب، تلك التغيرات باتت الآن دائمة ومستدامة، وغيرت نمط التسوق وكيفية اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنفاق المالي بالنسبة للمستهلك”.
وتستدرك قائلة: “هذا يدفع الشركات بصرف النظر عن الحجم والتخصص إلى إعادة تقييم علاقتها مع العملاء، فيما يتعلق بالسرعة في الاستجابة للطلبات مع تركيز دائم على متطلبات المستهلكين الجدد”.
ويعتقد عدد من الخبراء أنه في الوقت، الذي كانت فيه المحال التجارية التقليدية مغلقة بسبب وباء كورونا، فإن التجارة الإلكترونية نمت بسرعة فائقة كبديل عملي قادر على تلبية احتياجات المستهلكين خلال عامي الوباء، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا النمو كشف أيضا محدودية الأنماط “التقليدية” من التجارة الإلكترونية في مساعدة العملاء في الحصول على إحساس حقيقي للمشتريات أثناء التسوق عبر الإنترنت، بسبب الطبيعة ثنائية الأبعاد للتسوق عبر الإنترنت، الأمر الذي شجع نمو الواقع المعزز من خلال الدعوة إلى تحويل المنتجات من جميع الأنواع إلى منتجات افتراضية لمساعدة العملاء على تجربتها قبل شرائها.
وتشير تقديرات بحثية إلى أن 61 في المائة من المستهلكين سيقضون وقتا أطول عبر الإنترنت أكثر من قبل في مرحلة ما بعد كورونا، ما يعني أن الواقع المعزز سيلعب دورا مهما في توسيع مبيعات التجارة الإلكترونية حتى مع استعادة الأسواق التقليدية لنشاطها من جديد.
من ناحيته، يعتقد المهندس آر.دي دانيس، أستاذ البرمجيات في جامعة لندن، بأن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورا مهما للحد من الجرائم الإلكترونية، التي باتت تشكل خطرا أكبر على المجتمع من الإرهاب على حد قوله، إذ يعد أن تزايد الجرائم الإلكترونية يعوق عمليا انضمام مزيد من المستهلكين إلى الاقتصاد الرقمي، لأن التكنولوجيا يزداد دورها في حياتنا اليومية، ومن ثم، فإن القرصنة والجرائم الإلكترونية تصبح حتما مشكلة أكبر.
وقال دانيس لـ”الاقتصادية” إن “شركة متوسطة الحجم في مجال التجارة الإلكترونية تتلقى تهديدات قد تصل إلى 200 ألف تهديد يوميا، ولا يمكن للقدرات البشرية مواجهة تلك التهديدات الإلكترونية، إذ يتطلب الأمر فريق دعم ضخما للغاية، ما يرفع التكلفة بشكل مبالغ فيه، ومن الطبيعي أيضا أن تمر بعض هذه التهديدات دون أن يلاحظها أحد، وبما يسبب أضرارا كبيرة للشبكات”.
ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي ومن خلال تأمين الشبكات بتكلفة مالية منخفضة نسبيا يسمح للأنشطة التجارية والمالية بتقليص نفقاتها ومن ثم أسعار منتجاتها المقدمة للعملاء، كما يوفر للمستهلكين شعورا بالأمن بأن معاملتهم التجارية أو المالية لن تتعرض للاختراق، ما يزيد من الجاذبية العامة لتعامل المستهلكين مع الاقتصاد الرقمي، وبما يوسع من قاعدة النشاط الاقتصادي ويرفع هامش الربح ويزيد من قدرة الشركات على ضخ مزيد من الاستثمارات لتوسيع طاقتها الإنتاجية.
ويرى بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورا ثوريا في مجال سلاسل التوريد على وجه الخصوص، فواحدة من المشكلات الرئيسة في تلك الصناعة أن القرارات الحاسمة في لوجستيات سلاسل التوريد لا تزال تتخذ إلى حد كبير من قبل بشر غير مجهزين لإدارة كميات هائلة من البيانات، التي تتداول عبر أنظمة الشركاء الداخلية والخارجية، وهذا تحديدا ما يدفع مزيدا من الشركات لتطبيق الذكاء الاصطناعي لتحسين القرارات المتخذة بشأن النمط الأمثل لسلاسل التوريد، وتقليل التكاليف والموارد المهدرة وتجنب الاضطرابات المستقبلية.
بدوره، أوضح لـ”الاقتصادية” بيتر كوكس، أستاذ التسويق وسلاسل التوريد في جامعة بروملي، أن “شركات التجارة الإلكترونية شركات رقمية أي أنها بنيت من الألف إلى الياء على محددات الاقتصاد الرقمي، أما شركات التصنيع التقليدية، فإن الأنظمة والعمليات والأدوات القديمة المستخدمة منذ أعوام في تسيير نشاطاتها التجارية، تعوقها وأحيانا تمنعها من التنافس على المستوى نفسه مع الشركات الرقمية، وبينما يتوقع المستهلكون تسلم الطلبات عبر الإنترنت بين عشية وضحاها، فإن الشركات، التي تعتمد على سلاسل التوريد التقليدية تعوق مجمل حركة الاقتصاد الرقمي”.
وأضاف كوكس أن “الذكاء الاصطناعي ليس حلا سحريا، لكنه بالتأكيد لديه تأثير قوي في أداء شركات سلاسل التوريد، وعندما يتم تضمينه في النشاط التجاري، فإن شركات التوريد ستكتسب ميزة تنافسية تتعلق بالمرونة والرشاقة والقدرة على التكيف، وتلك هي الكلمات الرئيسة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي”.
مع هذا يخشى بعضهم من أن تؤدي المنافسة الجيوسياسية إلى ترك بصمات سلبية على قدرة شركات التكنولوجيا على تطوير الذكاء الاصطناعي، فالتوترات الراهنة بين الولايات المتحدة والصين آخذة في التصاعد، وتمثل التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي نقطة اشتباك مثيرة للانتباه في هذا الصراع، خاصة في ظل التوقعات الراهنة بأن يزداد الأمر تدهورا في الفترة المقبلة.
وهنا ذكر لـ”الاقتصادية” الدكتورة كارين كورني، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جلاسكو، أن “الولايات المتحدة أضافت شركة سنس تايم للذكاء الاصطناعي وشركة الطائرات دون طيار دي جا أي، وعديد من المنظمات الصينية الرائدة الأخرى في مجال الذكاء الاصطناعي إلى القائمة السوداء للاستثمار، وتلك الشركات من بين أهم الشركات الصينية في هذا المجال”.
وأشار إلى أن لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تعمل بقوة متزايدة لمنع المنظمات الصينية من الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما تعمل واشنطن على عزل أبحاث الجامعات الأمريكية في الذكاء الاصطناعي عن الصينين، كما بات هناك قيود كثيرة على منح الطلاب الصينيين مقاعد دراسية في الجامعات الغربية في المجالات الهندسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
وأضافت “نتيجة هذا كله سيصبح من المستحيل تقريبا على الجهات الفاعلة الأمريكية والصينية ورواد العمال والمستثمرين والشركات وقادة الأعمال والباحثين الأكاديميين العمل معا بشكل هادف في مبادرات الذكاء الاصطناعي، ما يعوق القدرة على تسريع وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي والروبوتات ودمجهما في حياتنا اليومية بما يعزز أفق الاقتصاد العالمي والاقتصاد الرقمي على وجه التحديد”.