ملحمة عصر الذكاء الاصطناعي “2 من 3”
بطبيعة الحال يحمل الذكاء الاصطناعي أيضا فوائد محتملة ضخمة للبشرية. إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على قراءة نتائج صور الثدي الشعاعية بقدر أعظم كثيرا من الدقة مقارنة بالفنيين البشريين. وهذا يطرح مشكلة مثيرة للاهتمام حول الأطباء الذين يقررون تجاوز توصية الآلة: هل يعرضون أنفسهم للمقاضاة بتهمة الإهمال؟
يستشهد المؤلفون بحالة مضاد حيوي جديد يحمل مسمى هاليسين، الذي اكتـشـف في 2020 عندما كلف باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أحد برامج الذكاء الاصطناعي بوضع نماذج لملايين من المركبات في غضون أيام ــ وهذه قدرة حاسوبية تتجاوز قدرة البشر بأشواط ــ لاستكشاف طرق جديدة وغير مفسرة لقتل البكتيريا. لاحظ الباحثون أنه من دون الذكاء الاصطناعي، كانت تكلفة اكتشاف المضاد الحيوي هاليسين ستصبح باهظة للغاية أو كان اكتشافه سيصبح مستحيلا من خلال التجارب التقليدية. وكما يقول مؤلفو الكتاب، فإن وعود الذكاء الاصطناعي عميقة: فترجمة اللغات، واكتشاف الأمراض، ووضع نماذج لتغير المناخ ليست سوى أمثلة قليلة لما يمكن أن تأتي به هذه التكنولوجيا.
لا ينفق المؤلفون قدرا كبيرا من الوقت في التفكير في بعبع الذكاء الاصطناعي العام ــ أو البرمجيات القادرة على أداء أي مهمة فكرية، بما في ذلك الربط بين المهام والمفاهيم عبر التخصصات المختلفة. وأيا كان مستقبل الذكاء الاصطناعي العام في الأمد البعيد، فقد أصبح لدينا بالفعل ما يكفينا من المشكلات في التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي القائم على التعلم الآلي. فقد يستخلص النتائج، ويقدم التنبؤات، ويتخذ القرارات، لكنه لا يملك وعيا ذاتيا أو القدرة على التأمل في الدور الذي يضطلع به في العالم. وهو بلا نوايا، أو دوافع، أو أخلاق، أو عاطفة. أي أنه بعبارة أخرى ليس مكافئا للبشر.
ولكن على الرغم من محدودية الذكاء الاصطناعي الحالي، لا ينبغي لنا أن نقلل من شأن التأثيرات العميقة التي يخلفها في عالمنا. على حد تعبير المؤلفين:
“نظرا لعدم إدراكنا لوسائل الراحة الحديثة العديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي بالفعل، أصبحنا ببطء وعلى نحو شبه سلبي نعتمد على التكنولوجيا دون أن نسجل حقيقة اعتمادنا عليها أو التأثيرات المترتبة عليها. في الحياة اليومية، يـعـد الذكاء الاصطناعي شريكا لنا، يساعدنا على اتخاذ القرارات بشأن ماذا نأكل، وماذا نرتدي، وماذا نصدق، وإلى أين نذهب، وكيف نصل إلى هناك. لكن هذه الاحتمالات وغيرها تـشـتـرى ــ من دون ضجة إلى حد كبير ــ من خلال تغيير العلاقة الإنسانية بالعقل والواقع”.
ويؤثر الذكاء الاصطناعي الآن بالفعل في السياسة العالمية. ولأن الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا تمكينية عامة، فإن توزيعها غير المتكافئ من المحتم أن يؤثر في توازن القوى العالمية. في هذه المرحلة، بينما يـعـد التعلم الآلي عالميا، فإن الولايات المتحدة والصين هما القوتان الرائدتان في مجال الذكاء الاصطناعي. بين أكبر سبع شركات عالمية في هذا المجال، ثلاث أمريكية، وأربع صينية.
أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج هدف جعل الصين دولة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2030. ويشير عالم الكمبيوتر كاي-فو لي من صندوق Sinovation Ventures في بكين إلى أن الصين، بفضل عدد سكانها الهائل، وامتلاكها أكبر شبكة إنترنت في العالم، وموارد البيانات الضخمة، فضلا عن قلة الاهتمام بالخصوصية، تحتل موقعا جيدا يسمح لها بتطوير ذكائها الاصطناعي. علاوة على ذلك، يزعم لي أن امتلاك القدرة على الوصول إلى سوق هائلة الحجم وعدد كبير من المهندسين قد تكون أكثر أهمية من امتلاك جامعات رائدة وعلماء رواد على مستوى العالم.
لكن جودة البيانات لا تقل أهمية عن كمها، وكذا جودة الرقائق والخوارزميات. وهنا ربما تكون الولايات المتحدة في المقدمة. يزعم كيسنجر، وشميت، وهوتنلوشر أنه في ظل متطلبات البيانات والحوسبة التي تحد من القدرة على تطوير ذكاء اصطناعي أكثر تقدما، يشكل ابتكار طرق تدريب تستخدم قدرا أقل من البيانات، وقدرة حاسوبية أقل، أحد حدود العـلم القصوى الحاسمة.