ملحمة عصر الذكاء الاصطناعي “1 من 3”
تجمع المصادفة بين رجل دولة متمرس، ومدير تنفيذي متقاعد لإحدى شركات التكنولوجيا الكبرى، وعالم في مجال الحاسب الآلي في إحدى الحانات. ترى عن أي شيء يتحدثون؟ الذكاء الاصطناعي بالطبع، لأن الجميع يتحدثون عنه أو معه، سواء أطلقوا عليه اسم أليكسا، أو سيري، أو أي اسم آخر. الحق: إننا لسنا في احتياج إلى انتظار مستقبل أشبه بالخيال العلمي، فقد بدأ عصر الذكاء الاصطناعي بالفعل. ويخلف التعلم الآلي خصوصا تأثيرا قويا على حياتنا، وسيؤثر بشدة في مستقبلنا أيضا.
هذه هي رسالة الكتاب الجديد الشائق الذي اشترك في تأليفه هنري كيسنجر؛ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وإيريك شميت؛ الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، ودانيال هوتنلوشر؛ عميد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يأتي هذا الكتاب مع تحذير: سيتحدى الذكاء الاصطناعي تفوق العقل البشري الذي ظل قائما منذ فجر عصر التنوير.
هل تستطيع الآلات أن تفكر حقا؟ أهي ذكية؟ وماذا تعني هذه المصطلحات؟ في عام 1950 اقترح ألان تورينج؛ عالم الرياضيات البريطاني الشهير، أن نتجنب مثل هذه الألغاز الفلسفية العميقة من خلال الحكم على الأداء، فإذا لم نتمكن من التمييز بين أداء آلة والأداء البشري، فينبغي لنا أن نسمي هذا الأداء ذكيا، أنتج أغلب برامج الكمبيوتر المبكرة حلولا جامدة ساكنة فشلت في اجتياز اختبار تورينج، واستمر مجال الذكاء الاصطناعي في التراجع والذبول طوال فترة ثمانينيات القرن الـ 20.
لكن التسعينيات شهدت اختراقا تمثل في نهج جديد سمح للآلات بالتعلم من تلقاء ذاتها، بدلا من الاسترشاد فقط بأكواد مستمدة من رؤى مستخلصة من البشر. على النقيض من الخوارزميات الكلاسيكية التي تتكون من خطوات تفضي إلى نتائج محددة، تتألف خوارزميات التعلم الآلي من خطوات لتقديم نتائج غير محددة أفضل. وبهذا، ولد مجال التعلم الآلي الحديث برمجيات تتعلم من خلال التجربة. كانت تقنية وضع خوارزميات التعلم الآلي في طبقات داخل الشبكة العصبية المستلهمة من بنية الدماغ البشري محدودة في البداية بسبب الافتقار إلى القوة الحاسوبية الكافية. لكن هذا تغير في الأعوام الأخيرة. في عام 2017 تمكن AlphaZero وهو برنامج الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة DeepMind التابعة لشركة جوجل، من هزيمة Stockfish، برنامج الشطرنج الأقوى على الإطلاق في العالم. لم يكن الأمر اللافت للنظر هنا أن يتمكن برنامج كمبيوتر من التغلب على برنامج كمبيوتر آخر، بل إن هذا البرنامج علم نفسه كيف يفعل ذلك. فقد زوده مبتكروه بقواعد الشطرنج ووجهوه لتطوير استراتيجية للفوز. بعد أربع ساعات فقط من التعلم من خلال اللعب ضد نفسه، برز AlphaZero بوصفه بطل العالم في الشطرنج، بفوزه على Stockfish 28 مرة دون خسارة أي مباراة مع التعادل 72 مرة. تسترشد الطريقة التي يلعب بها AlphaZero بقدرته على التعرف على الأنماط عبر مجموعات ضخمة من الاحتمالات التي يعجز العقل البشري عن إدراكها، أو معالجتها، أو توظيفها. منذ ذلك الحين، حملت أساليب التعلم الآلي المشابهة الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من التغلب على خبراء الشطرنج من البشر، إلى اكتشاف استراتيجيات شطرنج جديدة تماما. كما يشير مؤلفو الكتاب، فإن هذا يدفع بالذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من اختبار تورينج للأداء الذي لا يمكن تمييزه عن الذكاء البشري ليشمل الأداء الذي يفوق ذكاء البشر. الشبكات العصبية التوليدية قادرة أيضا على إنشاء صور أو نصوص جديدة. يستشهد المؤلفون بالنموذج GPT-3 الذي أنتجته شركة OpenAI، باعتباره واحدا من أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي جدارة بالملاحظة اليوم. في عام 2019، طورت الشركة نموذجا لغويا يدرب نفسه من خلال استهلاك النصوص المتاحة مجانا من الإنترنت. بإعطائه بضع كلمات، يستطيع استقراء جمل وفقرات جديدة عن طريق استكشاف الأنماط في العناصر المتسلسلة. وهو قادر على تأليف نصوص جديدة وأصلية تلبي اختبار تورينج المتمثل في عرض سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن سلوك أحد البشر. أنا أعرف هذا من التجربة. فبعد أن أدخلت بضع كلمات طاف البرنامج بشبكة الإنترنت، وفي أقل من دقيقة أنتج قصة إخبارية كاذبة مقبولة ظاهريا. كنت أعلم أنها قصة مختلقة، لكنني لا أبالي بهذا كثيرا. ماذا لو كانت القصة عن زعيم سياسي أثناء انتخابات رئيسة؟ ماذا قد يحل بالديمقراطية عندما يتمكن مستخدم الإنترنت العادي من إطلاق العنان لبرامج تحاكي البشر وتتمتع بذكاء اصطناعي توليدي لإغراق خطابنا السياسي في الأيام الأخيرة قبل إدلاء الناس بأصواتهم؟
تعاني الديمقراطية بالفعل الاستقطاب السياسي، وهي المشكلة التي تفاقمت بفعل خوارزميات وسائط التواصل الاجتماعي التي تلتمس النقرات والإعلان من خلال تقديم وجهات نظر متزايدة التطرف وجذابة للمستخدمين. الأخبار الكاذبة ليست مشكلة جديدة، لكن من المؤكد أن تضخيمها على نحو سريع ورخيص وواسع النطاق بوساطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي أمر جديد تماما. ربما يكون الحق في التعبير الحر مكفولا، ولكن ليس حق التضخيم الحر.
يزعم مؤلفو الكتاب أن هذه القضايا الجوهرية تبرز في الصدارة لأن منصات الشبكات العالمية، مثل: جوجل، وتويتر، وفيسبوك، توظف الذكاء الاصطناعي لتجميع وتصفية قدر من المعلومات أكبر كثيرا، ما يمكن لمستخدميها تجميعه على الإطلاق. لكن هذه التصفية تؤدي إلى التمييز بين المستخدمين، على نحو يوجد غرف صدى اجتماعية تحرض على الخلاف بين المجموعات. فما قد يفترض شخص ما أنه انعكاس دقيق للواقع يصبح مختلفا تماما عن الواقع الذي يراه أشخاص آخرون أو مجموعات أخرى، وهذا بدوره يعزز الاستقطاب ويعمقه. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يقرر على نحو متزايد ما هو مهم وما هو حقيقي، والنتائج ليست مشجعة عندما يتعلق الأمر بصحة الديمقراطية… يتبع.
هذه هي رسالة الكتاب الجديد الشائق الذي اشترك في تأليفه هنري كيسنجر؛ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وإيريك شميت؛ الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، ودانيال هوتنلوشر؛ عميد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يأتي هذا الكتاب مع تحذير: سيتحدى الذكاء الاصطناعي تفوق العقل البشري الذي ظل قائما منذ فجر عصر التنوير.
هل تستطيع الآلات أن تفكر حقا؟ أهي ذكية؟ وماذا تعني هذه المصطلحات؟ في عام 1950 اقترح ألان تورينج؛ عالم الرياضيات البريطاني الشهير، أن نتجنب مثل هذه الألغاز الفلسفية العميقة من خلال الحكم على الأداء، فإذا لم نتمكن من التمييز بين أداء آلة والأداء البشري، فينبغي لنا أن نسمي هذا الأداء ذكيا، أنتج أغلب برامج الكمبيوتر المبكرة حلولا جامدة ساكنة فشلت في اجتياز اختبار تورينج، واستمر مجال الذكاء الاصطناعي في التراجع والذبول طوال فترة ثمانينيات القرن الـ 20.
لكن التسعينيات شهدت اختراقا تمثل في نهج جديد سمح للآلات بالتعلم من تلقاء ذاتها، بدلا من الاسترشاد فقط بأكواد مستمدة من رؤى مستخلصة من البشر. على النقيض من الخوارزميات الكلاسيكية التي تتكون من خطوات تفضي إلى نتائج محددة، تتألف خوارزميات التعلم الآلي من خطوات لتقديم نتائج غير محددة أفضل. وبهذا، ولد مجال التعلم الآلي الحديث برمجيات تتعلم من خلال التجربة. كانت تقنية وضع خوارزميات التعلم الآلي في طبقات داخل الشبكة العصبية المستلهمة من بنية الدماغ البشري محدودة في البداية بسبب الافتقار إلى القوة الحاسوبية الكافية. لكن هذا تغير في الأعوام الأخيرة. في عام 2017 تمكن AlphaZero وهو برنامج الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة DeepMind التابعة لشركة جوجل، من هزيمة Stockfish، برنامج الشطرنج الأقوى على الإطلاق في العالم. لم يكن الأمر اللافت للنظر هنا أن يتمكن برنامج كمبيوتر من التغلب على برنامج كمبيوتر آخر، بل إن هذا البرنامج علم نفسه كيف يفعل ذلك. فقد زوده مبتكروه بقواعد الشطرنج ووجهوه لتطوير استراتيجية للفوز. بعد أربع ساعات فقط من التعلم من خلال اللعب ضد نفسه، برز AlphaZero بوصفه بطل العالم في الشطرنج، بفوزه على Stockfish 28 مرة دون خسارة أي مباراة مع التعادل 72 مرة. تسترشد الطريقة التي يلعب بها AlphaZero بقدرته على التعرف على الأنماط عبر مجموعات ضخمة من الاحتمالات التي يعجز العقل البشري عن إدراكها، أو معالجتها، أو توظيفها. منذ ذلك الحين، حملت أساليب التعلم الآلي المشابهة الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من التغلب على خبراء الشطرنج من البشر، إلى اكتشاف استراتيجيات شطرنج جديدة تماما. كما يشير مؤلفو الكتاب، فإن هذا يدفع بالذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من اختبار تورينج للأداء الذي لا يمكن تمييزه عن الذكاء البشري ليشمل الأداء الذي يفوق ذكاء البشر. الشبكات العصبية التوليدية قادرة أيضا على إنشاء صور أو نصوص جديدة. يستشهد المؤلفون بالنموذج GPT-3 الذي أنتجته شركة OpenAI، باعتباره واحدا من أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي جدارة بالملاحظة اليوم. في عام 2019، طورت الشركة نموذجا لغويا يدرب نفسه من خلال استهلاك النصوص المتاحة مجانا من الإنترنت. بإعطائه بضع كلمات، يستطيع استقراء جمل وفقرات جديدة عن طريق استكشاف الأنماط في العناصر المتسلسلة. وهو قادر على تأليف نصوص جديدة وأصلية تلبي اختبار تورينج المتمثل في عرض سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن سلوك أحد البشر. أنا أعرف هذا من التجربة. فبعد أن أدخلت بضع كلمات طاف البرنامج بشبكة الإنترنت، وفي أقل من دقيقة أنتج قصة إخبارية كاذبة مقبولة ظاهريا. كنت أعلم أنها قصة مختلقة، لكنني لا أبالي بهذا كثيرا. ماذا لو كانت القصة عن زعيم سياسي أثناء انتخابات رئيسة؟ ماذا قد يحل بالديمقراطية عندما يتمكن مستخدم الإنترنت العادي من إطلاق العنان لبرامج تحاكي البشر وتتمتع بذكاء اصطناعي توليدي لإغراق خطابنا السياسي في الأيام الأخيرة قبل إدلاء الناس بأصواتهم؟
تعاني الديمقراطية بالفعل الاستقطاب السياسي، وهي المشكلة التي تفاقمت بفعل خوارزميات وسائط التواصل الاجتماعي التي تلتمس النقرات والإعلان من خلال تقديم وجهات نظر متزايدة التطرف وجذابة للمستخدمين. الأخبار الكاذبة ليست مشكلة جديدة، لكن من المؤكد أن تضخيمها على نحو سريع ورخيص وواسع النطاق بوساطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي أمر جديد تماما. ربما يكون الحق في التعبير الحر مكفولا، ولكن ليس حق التضخيم الحر.
يزعم مؤلفو الكتاب أن هذه القضايا الجوهرية تبرز في الصدارة لأن منصات الشبكات العالمية، مثل: جوجل، وتويتر، وفيسبوك، توظف الذكاء الاصطناعي لتجميع وتصفية قدر من المعلومات أكبر كثيرا، ما يمكن لمستخدميها تجميعه على الإطلاق. لكن هذه التصفية تؤدي إلى التمييز بين المستخدمين، على نحو يوجد غرف صدى اجتماعية تحرض على الخلاف بين المجموعات. فما قد يفترض شخص ما أنه انعكاس دقيق للواقع يصبح مختلفا تماما عن الواقع الذي يراه أشخاص آخرون أو مجموعات أخرى، وهذا بدوره يعزز الاستقطاب ويعمقه. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يقرر على نحو متزايد ما هو مهم وما هو حقيقي، والنتائج ليست مشجعة عندما يتعلق الأمر بصحة الديمقراطية… يتبع.