الروبوتات الشبيهة بالبشر.. إلى أين؟
مناهل ثابت
تطالعنا أخبار التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي بالجديد والأكثر جدة في يوم، ومثلما استغرقت ثورة الأندرويد والـ ISO وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي قرابة عشرين عاماً لتصل بنا إلى هذه التطورات المذهلة في نتاج شركات هذه التقنيات، نجد أنه ربما، كما تؤكد ذلك الأخبار اليومية، سيستغرق الأمر وقتاً مماثلاً، بدأت تصوراته منذ وقت مبكر في تاريخ الحضارة البشرية في مجال صناعات الروبوتات الشبيه بالبشر Human Robots والتي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، وهي ما نرغب في الحديث عن مستقبله في هذه المقالة.
تشير كتب التاريخ والأبحاث الميثيولوجية إلى مصطلح الغولم Golem كأحد أقدم نماذج الذكاء الاصطناعي المذكورة في التاريخ البشري؛ والغولم في الأصل أسطورة يهودية عن شخصية بشرية من الصلصال تم إحياؤها، ويجسد الجولم مرارًا وتكرارًا، وهو يحمل على مر العصور قلقًا عميق الجذور (وانبهارًا) بشأن احتمالية خروج التكنولوجيا الذكية والواعية من السيطرة البشرية، على الرغم من تصميمه ليكون نوعًا مطيعًا وفعالًا وهائلًا من الروبوتات “منخفضة التقنية”، إلا أن الغولم (في معظم قصص وأدبيات التاريخ) يذهب في النهاية باتجاه أن يكون مستقلاً عن أسياده، وفي النهاية تتسبب في دمار صانعيها من البشر؛ وقد اكتسب الـغولم منذ ظهوره في وقت مبكر جدًا في النصوص التلمودية، شهرة كبيرة في الثقافات الشعبية وظهر كثيرًا في النتاجات الأدبية، وفي الكتب المصورة كإنتاجات شركات الكوميكس العالمية كـ شركة مارفل وشركة دي سي، وفي الأفلام السينمائية كسلسلة أفلام ترمنيتور كذلك والمسلسلات التلفزيونية وفي الألعاب مثل البوكيمون غولم…
ولعل الأساس الذي ينطلق منه هذا الهاجس حول المخاوف المصاحبة لصناعة الروبوتات الشبيهة بالبشر، قد تبدت تفاصيله بوضوح في تقنية الذكاء الاصطناعي ذات القابلية الذاتية المستقلة للتطور بعيداً عن صنّاع ومبرمجي هذه الصناعات الروبوتية، إذ إن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل بها هذه الروبوتات قد تصل إلى مستوى من الوعي والقدرة التي تمكنها من تطوير برمجتها بشكل استقلالي وصناعة لغة تفاهم خاصة بها، لا يفهمها حتى مبرمجها وصانعها الأصلي، لولا، وعلى الرغم من ذلك، أن ثمة نشوة عقلية تصاحب هذه الصناعات وتحول دون التوقف عن تطوير برمجيات الروبوتات المستمر، هذه النشوة هي نشوة الصانع بما يصنعه، والمبتكر بما يبتكره، والمُجدّ لما يعيه ويستوعبه، وبالإضافة إلى ذلك ثمة أبعاد اقتصادية تبرر ذلك التطور الذي تجتهد وتتنافس فيه الدول الصناعية الكبرى وشركات صناعة الروبوتات، وهي أبعاد مرتبطة باتساع النفوذ والسيطرة في سياق تجارة التكنولوجيا وصناعاتها.
وكما يبدو جلياً فإن المستقبل الذي ينتظر الحضارة البشرية في ظل هذه التحولات هو مستقبل سيبتعد كثيراً عن الجذور البيولوجية للكائن البشري وسيزدهر بالمقابل مستقبل صناعات الذكاء الاصطناعي التكنولوجية فالأتمتة أو التأليل قد بدأ منذ وقت غير بعيد وسيستمر في الاتساع حتى يستوعب كل شيء؛ إنها عملية إلغاء وإزاحة لكل ما هو بشري أو للكائن البشري دور فاعل فيه في حيز الحياة اليومية وإذا استمر هذا التحول فإن سلطة البشر على هذا الكوكب التي كانت تراكماته المعرفية وقدرته على التفكير وامتلاكه للذكاء وغيرها تلعب دوراً أساسياً فيه، يمكن القول إنها ستزول وتتلاشى حتماً وتذهب إلى يد أخرى بلا شك هي يد تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنتجات التكنولوجيا الروبوتية؛ إنها بلا شك تهدد وجود البشر عموماً على هذا الكوكب ومثلما تعمل الأوبئة والكوارث التي تواجهها البشرية كل يوم على إفناء الإنسان تعمل كذلك صناعات التكنولوجيا وثورة الأتمتة على إفناء الإنسان أيضا لكنها بشكل لا يمكن لأحد أن يصفه بأنه كارثي، وإذا لم يتم الانتباه لمثل هذا فيمكن التأكيد أن مستقبل الأجيال اللاحقة سيكون مجهولاً ويحمل صفة الشك كما في القول “يكون أو لا يكون”.. وللحديث بقية.