سباق السيطرة في مجال الذكاء الاصطناعي
د. جاسم حاجي
عندما نفكّر في سباق السيطرة في مجال الذكاء الاصطناعي، فعادةً يتبادر إلى أذهاننا السباق بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة والصين، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا أمرٌ طبيعيّ، حيثُ إن لدى الولايات المُتّحدة والصين أكبر شركات الذكاء الاصطناعي على وجه الكوكب، وأغناها من ناحية رأس المال. وإذا ما عايننا وتيرة التمويل، ووتيرة نمو الشركات ومدى تبنّي العالم للتكنولوجيا الصادرة من هذه الشركات، سيبدو لنا أن سيطرة هذه الشركات في نموٍّ مستمر. ولكن في الواقع، إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب، فسنجد أن كثيرا من الدول الأخرى تحاول بكلّ جهدها أن تحقّق السبق في مجال الذكاء الاصطناعي، من ناحية تطويرها للجهود المبذولة في هذا المجال، وزيادة الاستثمارات، وتفعيل استخدام التكنولوجيا، بالإضافة إلى امتلاكها حقوق الملكيّة الفكريّة في هذا المجال، وهو ما يجعل هذه الدول مُرشّحةً بشكل قويّ للصعود في هذا السباق نحو السيطرة.
وبالاعتماد على أحد التقارير الحديثة، فإن فرنسا، والمملكة المتّحدة، والولايات المُتّحدة، تمتلك جميعها القُدرة ذاتها، فيما يتعلّق بالذكاء الاصطناعي، بينما تحلّ الصين، وكندا، وألمانيا، واليابان، وكوريا الجنوبيّة في الفئة التالية من ناحية تقدُّمها التكنولوجي في هذا المجال.
ومن ناحية الاستثمار، فإن الشركات الصغيرة والناشئة تستقطب الكثير من رؤوس الأموال، بشكلٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى، حيثُ تمكّنت شركات الذكاء الاصطناعي من جمع 12 مليار دولار أمريكي في عام 2017 وحده، وهو أكثر من ضعف رأس المال المُستثمر في السنة السابقة.
ومن المثير للاهتمام أن معظم هذا الاستثمار يتركّز في الشركات الأمريكيّة والصينيّة، على الرغم من أنّ رؤوس الأموال تأتي من كلّ أنحاء العالم. وقد تمكّن سوفت بنك، الذي يتّخذ من اليابان مقرّا له، من جمع أكثر من 100 مليار دولار أمريكي لصندوقه الاستثماري، بإسهام عدد من المستثمرين الأجانب بما فيهم صندوق الاستثمارات العامّة السعودي، ومصادر تمويل أخرى في أرجاء العالم. بينما قامت الشركات الأمريكية بالاستثمار في رؤوس الأموال الاستثماريّة (Venture Capital) لشركات سيليكون فالي بشكل مكثّف، ففي الوقت الحالي، تتمتّع الصين بشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة ذات القيمة الأكبر عالميّا، وهي شركة Sensetime التي جمعت أكثر من 1.2 مليار دولار أمريكي لرأس المال، ويُتداول أنّها في طريقها إلى جمع مليار دولار إضافية.
وعلى الرغم من وجود كثير من المجالات الاستثمارية، فإن الذكاء الاصطناعي يشكّل قطاعا فريدا، حيثُ إن الكثير من الحكومات تعتبر أن الذكاء الاصطناعي أحد التقنيّات الاستراتيجية المهمّة بالنسبة إليها، ففي عام 2017، أطلقت الصين برنامجا من ثلاث خطوات يهدف إلى أن يجعلها الأولى على مستوى العالم من ناحية الذكاء الاصطناعي، بحلول عام 2030. وتنوي الحكومة الصينية أن تتمكّن من زيادة الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي لتصل إلى 150 مليار دولار أمريكي، وهي تسعى باستمرار إلى زيادة استخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعي في عدد من المجالات الحيويّة كالجيش والمدن الذكيّة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الصينيّة تُراهن على عدد من استثماراتها في هذا المجال، بما في ذلك حديقة الأبحاث التكنولوجيّة التي تعنى بشكل أساسي بالذكاء الاصطناعي، ومن المُرتقب أن تبلغ قيمتها ما يقارب الـ2.1 مليار دولار أمريكي.
وفي عام 2019، تم إصدار مبادئ بكين للذكاء الاصطناعي، من قبل تحالُف يتضمّن عدداً من الجهات ذات المصلحة، بما فيها أكاديميّة بكين للذكاء الاصطناعي، وجامعة بكين، وجامعة تسينغهوا، ومؤسّستي الأتمتة وتكنولوجيا الحوسبة في الأكاديميّة الصينيّة للعلوم، بالإضافة إلى عدد من أبرز الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي مثل بايدو، وعلي بابا، وتنسنت.
أما قصّة تمويل وإنشاء شركات التكنولوجيا في الولايات المُتّحدة فهي معروفة لدى الجميع، حيثُ إن سيليكون فالي لا تُمثّلُ منطقةً فقط، لكنّها تمثّل مجال التكنولوجيا بشكلٍ عام، وهو ما يُظهر مدى تطوُّر هذا المجال في الولايات المُتّحدة، حيثُ استطاعت المُحافظة على ريادتها خلال العقود الماضية، واستطاعت خلق عديد من أنواع التكنولوجيا والقيام بتبنّيها. وحيثُ إن الولايات المتّحدة هي الدولة التي ابتكرت الشكل الحديث لإنشاء الشركات عن طريق رؤوس الأموال الاستثماريّة، وهي الدولة التي تميّزت في هذا الأمر، فقد استطاعت خلق عدد من أبرز الشركات العملاقة مثل أمازون، وأبل، وفيسبوك، ومايكروسوفت، وجوجل، وآي بي إم، وآلاف الشركات التكنولوجيّة الأخرى بكل الأحجام. بشكل عام، استثمرت الولايات المتّحدة تريليونات من الدولارات في هذا المجال وفي هذه الشركات.