الذكاء الاصطناعي في طريقه لفرض نفسه على الإعلام
AI بالعربي – متابعات
منذ بداية النقاش حول “الذكاء الاصطناعي” وإمكاناته المتنامية في مجالات العلوم والطب والخدمات وغيرها من الأنشطة الإنتاجية، تزايدت التساؤلات حول أثره على القوى العاملة وأخلاقيات المهن الإبداعية. ومع طرح أول برمجياته في الأسواق، سارعت الدول المتقدمة إلى وضع أطر قانونية تحد من مخاطره وتضمن ضبط استخداماته، في محاولة لحماية المجتمعات من تداعياته المحتملة.
الإعلام في صدارة القطاعات المتأثرة
أظهرت المؤشرات المبكرة أن القطاعات التي سبقت في التحول الرقمي ستكون الأكثر عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، ويأتي قطاع الإعلام في طليعتها. فقد أصبح الاعتماد على النسخ الرقمية للصحف بديلاً عن النسخ الورقية لدى معظم القراء، كما تحولت التطبيقات الرقمية المرئية والصوتية إلى أدوات رئيسية للإعلانات، ما جعلها المصدر الأكبر لإيرادات المؤسسات الإعلامية.
تقرير رابطة الصحافة الأوروبية
التقرير السنوي الصادر عن “رابطة الصحافة الأوروبية” في نهاية العام الماضي خصص موضوعه الرئيس للذكاء الاصطناعي وتأثيره على مهنة الصحافة. وجاء فيه أن التطبيقات الحالية لهذه التكنولوجيا بدأت تحدث تحولات عميقة في إنتاج وتصميم المحتوى الإعلامي الرقمي، رغم أنها لا تزال في مراحلها الأولى. التقرير تضمن استطلاعاً شمل محررين ومنتجين ومشرفين على النسخ الرقمية لعدد من وسائل الإعلام الأوروبية، وأظهر أن 84% يعتقدون أن المحررين سيستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في المستقبل، فيما رأى 85% ضرورة فرض قواعد صارمة على استخدام هذه الأدوات، وأكد 97% أنها ستؤثر بشكل مباشر على أخلاقيات المهنة. كما رجح 91% من المشاركين أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في التضليل الإعلامي، بينما شدد 96% على حق القارئ في معرفة ما إذا كان النص أو المادة الإعلامية قد أُنتج باستخدام هذه التقنيات.
بداية التحول مع ChatGPT
انطلق التحول الجذري في أواخر عام 2022 مع إطلاق تطبيق “ChatGPT” من OpenAI، والذي سرعان ما انتشر في غرف الأخبار الرقمية، حيث بدأ يُستخدم في كتابة النصوص، وتجميع المعلومات، وإنشاء الفقرات التمهيدية. الدراسات الحديثة تشير إلى أن المؤسسات الإعلامية تستثمر اليوم في تطوير أدوات رقمية تجمع بين القدرات التكنولوجية والإبداع البشري، لتسهيل المهام الصحافية وضمان دقة المعلومات، مع إمكان التفاعل المباشر مع القارئ عبر خوارزميات متقدمة وشبكات عصبية.
تغييرات جذرية قادمة
يتفق الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تغييرات واسعة في الإعلام، تشمل الهيكل التنظيمي للمؤسسات، والبث التلفزيوني والإذاعي، ومنصات التواصل التابعة لوسائل الإعلام. كما يتوقعون أن المؤسسات التي لا تسارع إلى الاستثمار في هذه التقنيات قد تواجه التهميش أو حتى الاندثار. إلا أنهم يحذرون من مخاطر غياب الضوابط القانونية، ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى تهدد مستقبل الصحافة كما نعرفها.
شريك أساسي في صناعة الأخبار
يرى متخصصون أن الذكاء الاصطناعي سيكون “شريكاً أساسياً” في صناعة الأخبار خلال السنوات المقبلة، إذ سيسهم في إنتاج العناوين والفقرات الافتتاحية والرسوم البيانية والصور التوضيحية، وصولاً إلى الفيديوهات والمقاطع الصوتية. وفي الإذاعة والتلفزيون، قد نرى مذيعين افتراضيين ومحتوى ينتجه الذكاء الاصطناعي بأصوات وصور مُولدة رقمياً، قادرة على التكيّف مع طبيعة المادة الإعلامية.
مستقبل المهنة بين الفرص والمخاطر
يتوقع الخبراء أنه بحلول نهاية العقد الحالي ستتمكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي من إنتاج مواد بحثية وتحقيقية متكاملة، وقد تصل إلى ابتكار عوالم افتراضية يصعب التمييز بينها وبين الواقع. ومع أن هذه الأدوات لم تصل بعد إلى إنتاج مواد طويلة ومعقدة بسردية متماسكة، فإن التطور الجاري يوحي بأن هذه القفزة قريبة. ومع ذلك، لا يزال كثيرون يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي لن يتمكن من إلغاء دور الصحافي، باعتبار أن الخبر في جوهره إنتاج بشري مرتبط بالتجربة الميدانية واللمسة الإنسانية.
مارغريت بودين وتحذيرات معتدلة
العالمة البريطانية مارغريت بودين، صاحبة أحد أبرز المراجع العالمية حول الذكاء الاصطناعي، تعتبر أن هذه التكنولوجيا تشبه “الفأس” التي يمكن استخدامها للخير أو الشر. وتحذر من مبالغات شائعة حول قدراته، سواء بالتهويل أو بالتهوين، لكنها تؤكد أن فوائده تفوق أضراره المحتملة إذا ما استُخدمت وفق ضوابط واضحة. وتشير إلى أن الإعلام، إلى جانب الطب والمواصلات والبحوث العلمية، سيكون من أكثر القطاعات المستفيدة.