الذكاء الاصطناعي يختبر أسواق العمل.. تلاشي المهن الروتينية ورهان على التدريب

42

AI بالعربي – “متابعات”

تدريجيا يقتحم الذكاء الاصطناعي الحياة المعاصرة، ليصبح جزءا لا يتجزأ منها. بالطبع لا يمكن القول حاليا إنه بات يحتل حيزا كبيرا من الحياة اليومية مقارنة مثلا بأجهزة الكمبيوتر، لكن من الواضح تماما أنه يتسرب تدريجيا وبثبات وبطريقة ستؤثر في مستقبل كل صناعة وكل إنسان تقريبا.

باختصار الذكاء الاصطناعي يعمل كمحرك رئيس للتقنيات الناشئة مثل البيانات الضخمة والروبوتات وإنترنت الأشياء، والمؤكد أيضا أنه سيستمر في العمل باعتباره الرافعة التكنولوجية للاقتصاد الحديث في المستقبل المنظور.

بعض القطاعات الاقتصادية تبدو في بدايات رحلة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، بينما بعض القطاعات الأخرى قطعت شوطا ملحوظا بحيث يمكن القول إنهم مسافرون مخضرمون يعرفون أوائل الدروب العامة، لكنهم لا يزالون في مرحلة استكشاف ما فيها من مفاجآت.

في مجال التصنيع تعمل الروبوتات بتقنيات الذكاء الاصطناعي جنبا إلى جنب مع العمال لأداء مجموعة محددة من المهام والوظائف مثل التجميع والتكديس، وفي مجال القيادة يبدو أن هذا العقد لن يصل إلى منتهاه إلا والسيارة ذاتية القيادة حققت قفزة كبيرة، وفي مجال الرعاية الصحية فإن عديدا من التخصصات الطبية يتزايد اعتمادها على الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض بدقة وسرعة أكبر، ويمتد هذا إلى مجال الأبحاث الدوائية.

مع هذا يمكن القول بدرجة عالية من الثقة واليقين إن تلك التطورات كافة ليست إلا البداية، أما المستقبل فإنه يحمل الكثير والكثير مما يمكن لمعظم المجتمعات بصيرة أن تتنبأ به.

مع هذا التطور “الحتمي” فإنه يحق لكثيرين القلق من تأثير انتشار الذكاء الاصطناعي في معدلات التوظيف. فهل سيكون الذكاء الاصطناعي مدخلا لشتاء اقتصادي قارس ترتفع فيه نسب البطالة إلى معدلات غير مسبوقة، أم أن الاقتصاد الدولي سيشهد فصلا ربيعيا من العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، ترتفع فيه معدلات التوظيف، وإن استتبع ذلك تغير في هيكل الوظائف بزيادة الطلب على المهن التقنية ذات المهارات المرتفعة.

حتى الآن لا توجد إجابة قاطعة أو شافية بشأن العلاقة المستقبلية بين الذكاء الاصطناعي ومعدلات التوظيف، إنما توجد مجموعة من الآراء التحليلية التي تعتمد على تجارب بشرية سابقة، مثل التغيرات التي طرأت على أسواق العمل عندما بدأت الآلات تخترق سوق العمل وتزاحم البشر في أعمالهم وأرزاقهم.

وبينما يدافع البعض عن تلك المقارنة فإن آخرين يرفضونها من منطلق أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنتاج والتوظيف تختلف في جوهرها عن علاقة الآلات بأسواق العمل.

المهندس جوشي موهيت الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، يرى أنه لا يمكن في الوقت الراهن “أن نرسم مشهدا تفصيليا لتأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل مستقبلا، بالتأكيد عدد من القطاعات الاقتصادية سيتضرر في سياق تراجع معدلات توظيف البشر، لكن قطاعات أخرى سيكون التأثير فيها إيجابيا، ومن ثم رسم صورة كلية لنسب التوظيف مقارنة بنسب البطالة عند اتساع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي”. تبدو بالنسبة إلى جوشي موهيت “صورة مضللة”.

ويقول لـ”الاقتصادية”، “إن 90 في المائة من أدنى القطاعات العاملة، ولا سيما أقل 50 في المائة من حيث الدخل والتعليم، سيتضررون بشدة من اتساع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي الذي سيحل محلهم في أداء وظائفهم”.

ويعتقد المهندس جوشي موهيت أن السؤال الرئيس الذي سيساعد على معرفة تأثير الذكاء الاصطناعي في معدلات التوظيف والبطالة سيرتبط بمدى روتينية العمل، بمعنى آخر هل سيسهل استبدال الوظيفة محل الدراسة بالذكاء الاصطناعي؟ فالأجيال الأولى من الذكاء الاصطناعي لن تكون شديدة التطور، ومن ثم ستحل محل العاملين في المهن الروتينية السهلة مثل الرد على مكالمات العملاء، أو عمليات قطف بعض المحاصيل في القطاع الزراعي، أو غسل الأطباق في المطاعم، أو المحاسبين في المحال التجارية.

بدورها، تؤيد كريستين جورج أستاذة في قسم الكمبيوتر في جامعة مانشستر وجهة النظر أعلاه، ومن هذا المنطلق تقول لـ”الاقتصادية”، “إن التعليم والدورات التدريبية والتأهيلية يمكن أن تخفف كثيرا من الصدمة الناجمة عن دمج الذكاء الاصطناعي في القطاع الاقتصادي”.

وفي الواقع فإن بعضا من الخبراء الاقتصاديين يرجحون أن يجد الأشخاص الذين سيجبرون على ترك وظائفهم، وظائف جديدة، لكن الأمر لن يكون يسيرا.

من جهته، يؤكد لـ”الاقتصادية”، الدكتور إل.دي. روس أستاذ التنمية الاقتصادية في جامعة لندن أن عملية الإحلال الوظيفي عبر التخلص من الأيدي العاملة للتحول إلى الذكاء الاصطناعي لن تتم بين عشية وضحاها، والسيناريو المتوقع مشابه تماما لتحول الولايات المتحدة من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي خلال الثورة الصناعية، هذا التحول لعب دورا كبيرا في حدوث الكساد الكبير، لكن في النهاية استطاعت سوق العمل ترتيب أوراقها وعاد الناس إلى النهوض والوقوف على أقدامهم، لكن تأثير فترة الكساد الكبير – على الرغم من محدودية أعوام الضائقة الاقتصادية – كان هائلا.

ما يمكن الجزم به أن الانتقال من مرحلة اختفاء الوظائف نتيجة الذكاء الاصطناعي إلى توفير وظائف جديدة أيضا نتيجة الذكاء الاصطناعي قد يكون مرحلة مؤلمة في سوق العمل، لكن إذا لم تستطع فئات العمالة غير الماهرة تطوير نفسها عبر مزيد من التدريب فإن فترة المعاناة ستطول وستكون أكثر قسوة.

وفقا لذلك يعتقد الدكتور أوزبورن فراي الاستشاري السابق في منظمة العمل الدولية أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان 40 إلى 50 في المائة من قوة العمل الحية وظائفها بحلول عام 2050، أما الوظائف المتبقية فإن بقاءها يعتمد على قدرتها على التكيف مع التقنيات الجديدة التي ستغير طريقة العمل بشكل جذري.

ويقول لـ”الاقتصادية”، “إن تحديث مهارات العمل بشكل دائم سيكون المفتاح الرئيس لضمان حفاظ البشر على وظائفهم في وجه الذكاء الاصطناعي، وغالبا سيتحول جزء متزايد من الأيدي العاملة إلى العمل بدوام جزئي، وسيتزايد الطلب على الأشخاص الذين يتمتعون بقدرات إبداعية والقدرة على الإدارة الذاتية”.

ويؤكد أن إدخال الذكاء الاصطناعي بكثافة إلى سوق العمل، سيجعل العمل أكثر مرونة بشكل متزايد، وسيخفض ساعات العمل بشكل ملحوظ، لكنه يمكن أن يعمق فجوة عدم المساوة في الأجور الموجودة حاليا بين كتلة ضخمة من قوة العمل التي ستعاني البطالة، في مقابل نخبة محدودة من الخبراء التقنيين مرتفعي الأجور.

اترك رد

Your email address will not be published.