من ملاعب الكرة إلى مختبرات التقنية: سباق عالمي لاقتناص مواهب الذكاء الاصطناعي
AI بالعربي – متابعات
في عالم باتت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي تهدد بإزاحة البشر عن وظائف تقليدية، تنقلب المعادلة خلف الكواليس، حيث تخوض الشركات والدول سباقًا محمومًا ليس على الأدوات أو الخوارزميات، بل على العقول البشرية التي تمتلك القدرة على صياغة المستقبل التكنولوجي.
حرب عالمية على المواهب
تشهد الساحة العالمية ما يشبه “سوق انتقالات” رياضي، لكن بطله هذه المرة هو الموهوب التقني، لا اللاعب المحترف. ووفقًا لشركة “زيكي داتا” المتخصصة في تحليل البيانات، يجري حاليًا استخدام تقنيات تحليل الأداء الرياضي لرصد واكتشاف مواهب الذكاء الاصطناعي غير المكتشفة.
شركات تلاحق الإبداع
مختبرات الأبحاث وشركات التقنية الناشئة والرائدة كثّفت جهودها لتوظيف نخبة العقول خلال السنوات الماضية. بل إن عددًا من كبار التنفيذيين يشاركون شخصيًا في عمليات التوظيف، لا سيما في الحالات التي يتطلب فيها الأمر جهدًا مضاعفًا لإقناع المرشحين بالانضمام.
الصين تدخل السباق بكل ثقلها
أطلقت شركات صينية كبرى برامج توظيف غير مسبوقة:
- بايدو أعلنت عن أكبر حملة توظيف في تاريخها، بزيادة 60% في الوظائف التقنية، دون سقف للرواتب.
- علي بابا خصصت نصف فرص حملتها الربيعية لعام 2026 لوظائف مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
- JD.com دشنت برنامجًا عالميًا لاجتذاب عباقرة التكنولوجيا من طلاب البكالوريوس والدراسات العليا.
- شركة ميديا الصناعية وظفت أكثر من 1000 موظف في مجالات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025.
وادي السيليكون: صراع العمالقة
منذ إطلاق “ChatGPT” في 2022، بات وادي السيليكون مسرحًا لمنافسة شرسة على الكفاءات، بأساليب تشبه سوق المحترفين الرياضيين.
ذكرت وكالة “رويترز” أن باحثين في “OpenAI” تلقوا عروضًا من شركة “ElevenLabs”، بينما ردت “OpenAI” بمنح مكافآت بقيمة لا تقل عن مليون دولار للإبقاء عليهم. وتُمنح كبار الباحثين حزم تعويضات تصل إلى 10 ملايين دولار سنويًا.
شركات التقنية تتنافس عالميًا
أكد “سام ألتمان”، المدير التنفيذي لـ “OpenAI”، أن شركات مثل “ميتا” تحاول استقطاب الموظفين من خلال مكافآت توقيع ضخمة، وقد نجحت فعلًا في اجتذاب قيادات من مؤسسات منافسة.
العنصر البشري.. أولوية وطنية
في عام 2022، بلغ عدد خريجي تخصصات الهندسة والتكنولوجيا في الصين نحو 1.6 مليون طالب، مقارنة بـ112 ألفًا فقط في الولايات المتحدة في مجالات الحوسبة والمعلومات. ويُظهر هذا الفرق الكبير اعتماد أميركا المتزايد على المواهب الأجنبية.
وفقًا لمؤشر “ماكرو بولو”، ارتفعت نسبة أفضل باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم الحاصلين على شهادات من الصين من 29% عام 2019 إلى 58% عام 2022، ما يعكس توسع القاعدة المحلية من المواهب التقنية.
فجوة متسارعة في الصين
رغم الجهود المكثفة، تتوقع “ماكينزي” أن الصين قد تواجه عجزًا يصل إلى 4 ملايين متخصص في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، من أصل 6 ملايين مطلوبين. وتسعى الحكومة والمؤسسات الأكاديمية لسد هذه الفجوة عبر التدريب والاستثمار في التعليم.
أميركا.. الوجهة المفضلة ولكن
لا تزال الولايات المتحدة الوجهة الأكثر جذبًا للمواهب، حيث تضم 60% من أفضل مؤسسات الذكاء الاصطناعي عالميًا. لكن الهيكل التنظيمي الصارم للهجرة والسياسات التوظيفية يجبر شركات مثل “جوجل” و”مايكروسوفت” على افتتاح مراكز أبحاث في تورنتو ولندن لتوسيع نطاق الوصول إلى الكفاءات الدولية.
وأوروبا؟
رغم استثمارها في تعليم الذكاء الاصطناعي، تُواجه أوروبا نزيفًا في المواهب، حيث يتجه الخريجون نحو كاليفورنيا طمعًا في رواتب أعلى وفرص أكثر تطورًا. في المقابل، تحاول دول مثل كندا وسنغافورة استقطاب الشركات الناشئة الأوروبية وتقديم تسهيلات لنقلها.
الخلاصة: البشر أولًا
في عصر تتصدر فيه الخوارزميات عناوين الصحف، يبدو أن العنصر البشري هو من سيحسم معركة الريادة. فالمنافسة اليوم لا تتمحور فقط حول من يملك أكبر عدد من المهندسين أو الخريجين، بل حول من يستطيع أن يخلق بيئة تمكّن هذه العقول من النمو والابتكار بمسؤولية، تمامًا كما تتنافس أندية كرة القدم للحفاظ على نجومها اللامعين.
