“الذكاء الاصطناعي يحتاج إليك”.. محاولة من أجل إنقاذ المستقبل الذكي

AI بالعربي – متابعات

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا متزايدًا في مختلف جوانب الحياة، من التعليم والصحة إلى الاقتصاد والإعلام، مما يتطلب وضع معايير واضحة تضمن استخدامه بشكل أخلاقي وعادل. يجب أن تركز هذه المعايير على الشفافية، عدم التحيز، والمساءلة لضمان أن الذكاء الاصطناعي يعزز القيم الإنسانية بدلاً من تقويضها. في المستقبل، سيكون من الضروري مشاركة المجتمعات والخبراء وصنّاع القرار في توجيه تطوره، لضمان أنه يخدم الصالح العام ويحد من المخاطر المحتملة.

في هذا الكتاب “AI Needs You: How We Can Change AI’s Future and Save Our Own”، تقدم مؤلفته “فيريتي هاردينغ Verity Harding” دليلًا واضحًا ومباشرًا لأي شخص يرغب في فهم تأثير الذكاء الاصطناعي على العالم، وكيف يمكننا التأثير على مستقبله. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد سيارات ذاتية القيادة أو أجهزة مساعدة ذكية في المنزل، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، في كثير من الأحيان دون أن ندرك ذلك.

“هاردينغ”، بصفتها تشغل منصب مديرة مشروع الذكاء الاصطناعي والسياسة الجغرافية في معهد بينيت للسياسة العامة بجامعة كامبريدج، تؤمن بأنَّ الذكاء الاصطناعي ليس مجالًا حصريًا لخبراء التكنولوجيا فقط، بل يجب على الجميع أن يكون لهم دور في تحديد مساره المستقبلي قبل أن يفوت الأوان. خلال هذا الكتاب تقدم الكاتبة ما يمكن اعتباره دعوة مفتوحة لكل فرد للمشاركة في هذا النقاش الحاسم، الذي لم يعُد هناك مجالاً لطيِّه بجواب مفادِه “نعم يتفق الذكاء الاصطناعي، أو لا”.

أسلوب بسيط ومعلومات قيمة

مع الصفحات الأولى، يعتمد الكتاب على أسلوب سلِس وسهل الفهم، ما يجعل قراءته ممتعة ومبسَّطة للجميع، حتى لمن لا يمتلك خلفية تقنية، حيث لا تفترض فهي لا تفترض “هاردينغ” أن القارئ خبيرًا بما يكفي ف علوم الحاسوب، بل تشرح كل مفهوم بطريقة سلسة تجعل الذكاء الاصطناعي يبدو وكأنه حديث مع صديق مطلع بدلًا من محاضرة أكاديمية معقدة.

من خلال أمثلة عملية، توضح كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي من كميات هائلة من البيانات لرسم أنماط واتخاذ قرارات، وتشرح لماذا هذه العملية تؤثر على حياتنا بطرق عميقة. هذا النهج يجعل الكتاب بمثابة مقدمة شاملة وسهلة الفهم لمبادئ الذكاء الاصطناعي وتأثيره الواسع.

بين كونه أداة أو سلاح.. ماذا يعني الذكاء الاصطناعي؟

الكتاب لا يقتصر فقط على فهم الذكاء الاصطناعي، بل يسلط الضوء على القوة الهائلة التي تمتلكها الجهات المسيطرة عليه. إذ تشير “هاردينغ” إلى أن عددًا قليلًا من الشركات الكبرى والهيئات الحكومية تتحكم في اتجاهات تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير عادلة إذا لم تُراعَ القيم الأخلاقية وحقوق الإنسان عند تطوير هذه التقنيات.

على سبيل المثال، بعض أنظمة التعرف على الوجه تعمل بكفاءة أعلى على بعض درجات لون البشرة مقارنةً بأخرى، مما يعكس انحيازًا خطيرًا في البيانات التي تدربت عليها هذه الأنظمة، كما أن خوارزميات التوصية في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تضع المستخدمين في فقاعات معلوماتية تعزز الآراء المسبقة بدلاً من تنويع وجهات النظر. هنا صرت الرسالة واضحة، حَيْثُ إذا لم نتدخل ونؤثر في مستقبل الذكاء الاصطناعي، فقد نجد أنفسنا في عالم أقل عدالة وأقل حرية، حيث تتحكم فيه تقنيات تهدف إلى التسهيل ولكنها قد تصبح وسيلة للتمييز والتضليل.

هل هناك أمل؟ بالتأكيد.. لكن بشرط

داخل إحدى فصول الكتاب، تمَّ طرح السؤال حول هل هناك أمل لأن ننقذ المستقبل الذكي، في محاولة تسعى نحو البُعد عن التشاؤم، تقدِّم “هاردينغ” نظرة متفائلة ولكنها مشروطة، بمكن من خلاله تصحيح المسار. إلَّا أنَّ الشرط هو أنَّه علينا أنْ نتحرك الآن من خلال اقتراح عدة طرق يمكن للأفراد والمجتمعات من خلالها التأثير على قرارات الذكاء الاصطناعي، كالمطالبة بقوانين تنظيمية أقوى لضمان الشفافية والمساءلة في تطوير الذكاء الاصطناعي، وكذلك الضغط على الشركات التكنولوجية للكشف عن كيفية عمل أنظمتها والتأكد من أنها لا تعزز التمييز أو المعلومات المغلوطة.

إضافة لما سبق، عمَد أحد المقترحات نحو دعم السياسات التي تضع القيم الإنسانية في صميم تطوير الذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي تمنح المجتمعات المحلية صوتًا في كيفية استخدام تقنيات، مثل التعرف على الوجه من قبل الجهات الأمنية.

تسلط “هاردينغ” الضوء على المبادرات التي تمنح المواطنين دورًا مباشرًا في رسم السياسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مما يظهر أنَّه حال مشاركة الناس في صنع القرار، يمكنهم تحقيق تغيير حقيقي.

الذكاء الاصطناعي ليس بعيدًا عن حياتنا اليومية

ما جعل الكتاب مميزًا قدرة المؤلفة على ربط القضايا التقنية المعقدة بالحياة اليومية للناس، من توصيات مواقع التواصل الاجتماعي إلى التصحيح التلقائي في الهاتف، مرورًا بالخوارزميات التي تحدد من يحصل على فرصة لمقابلة عمل، كل هذه الأمور تتأثر بالذكاء الاصطناعي بطرق خفية ولكنها ذات تأثير كبير.

“هاردينغ” تجعل هذه الصلات واضحة، مما يعزز فكرة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجالًا يمكننا تجاهله أو تركه للخبراء وحدهم، بل هو أمر يتطلب مشاركة الجميع في توجيهه نحو مستقبل يخدم المجتمع بأسره.

تحدٍ يحتاج إلى خطوات واضحة

إذا كان هناك نقطة ضعف في الكتاب، فهي أنه يترك بعض القرّاء راغبين في المزيد من الخطوات العملية المحددة. صحيح أن المؤلفة تشجع على اتخاذ موقف نشط، لكن البعض قد يتمنى لو قدمت تفاصيل أكثر حول منظمات معينة أو حملات محددة يمكن للأفراد الانضمام إليها للمساهمة بشكل مباشر.

لكن رغم ذلك، تبقى الرسالة الأساسية واضحة: كل شخص لديه دور يلعبه، وحتى الخطوات الصغيرة يمكن أن تحدث فرقًا.

دعوة من أجل التفاعل

“AI Needs You: How We Can Change AI’s Future and Save Our Own”أكثر من مجرد كتاب عن التكنولوجيا، إنَّه دعوة للتحرك. فالذكاء الاصطناعي ليس شيئًا مستقبليًا بعيد المنال، بل هو هنا الآن، ويتطلب منا جميعًا أن نكون جزءًا من تشكيل مستقبله.

الكتاب في مضمونه يقدم رؤية متوازنة بين القلق والأمل، بين التحديات والفرص، سعيًا لأن ندرك أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أكثر عدلًا وإنسانية، فقط إذا قرَّرنا أن نكون جزءًا من صياغته بوعي ومسؤولية لا أن نكون مجرَّد مشاهدين.

فالرسالة من الكتاب بمثابة جرس إنذار وتحفيز في آنٍ واحد، تذكير بأن التكنولوجيا ليست قدرًا محتومًا، بل هي أداة يمكننا توجيهها لما يخدم مجتمعاتنا وقيمنا.

اترك رد

Your email address will not be published.