السر وراء تحول الذكاء الاصطناعي إلى مصدر إرهاق لـ”مايكروسوفت”

3

AI بالعربي – متابعات

برزت شركة مايكروسوفت منذ نهاية عام 2022 كقوة محورية في دعم وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فبفضل شراكتها الفعالة مع OpenAI مالكة ChatGPT، وتحوّلت مايكروسوفت إلى بطل حقيقي في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما جذب انتباه المستثمرين، الذين رأوا في مشاريع الشركة إمكانات هائلة لتحقيق العوائد.

ولكن يبدو أن العلاقة التي تربط مايكروسوفت بالذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت معقدة مع مرور الزمن، مع العلم أن سهم الشركة وبدعم من هذه التقنية، ارتفع بنحو 57 في المئة خلال العام 2023، مسجلًا أفضل أداء سنوي له منذ عام 1999، وفقًا لبيانات FactSet، إلا أن “البرودة” التي باتت تحظى بها أسهم الذكاء الاصطناعي على مدار الأشهر القليلة الماضية، كانت مخيفة بشكل خاص للشركة.

وبحسب تقرير أعدته “وول ستريت جورنال”، فإن أداء مايكروسوفت يقل حتى الآن بأكثر من 11% عن جميع شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى على مؤشر S&P 500 في عام 2024، كما أن مايكروسوفت هي الشركة الوحيدة ضمن شركات التكنولوجيا العملاقة، التي تتخلف عن متوسط مؤشر داو جونز الصناعي لهذا العام.

وهذا الواقع التي تعيشه مايكروسوفت في 2024 ناتج عن مزيج من الأسباب، فرغم أن أعمال الشركة مزدهرة بالفعل مع تسجيلها لإيرادات بلغت 245.1 مليار دولار للسنة المالية المنتهية في يونيو 2024، بزيادة بنحو 16 في المئة عن العام المالي السابق، وفقاً لبيانات “ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس”، فإن الحفاظ على الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي، أمر مكلف جداً حتى بالنسبة لشركة تتمتع بموارد مالية هائلة مثل مايكروسوفت، وهذا ما ساهم في ارتفاع النفقات الرأسمالية للشركة إلى 55.7 مليار دولار، في العام المالي الذي انتهى في يونيو 2024، وهو ما يمثل 23 في المئة من إجمالي الإيرادات التي تم تحقيقها، في حين أن النفقات الرأسمالية للشركة كانت تمثل ما نسبته 14 في المئة فقط من الإيرادات على مدار السنوات الخمس الماضية.

ويلفت تقرير “وول ستريت جورنال” إلى أن المديرة المالية لشركة مايكروسوفت إيمي هود، أكدت خلال آخر مكالمة أرباح للشركة في يوليو الماضي، أن حجم الإنفاق الرأسمالي لمايكروسوفت ليس “بالأمر الشاذ”، في حين تشير تقديرات Visible Alpha إلى أن الإنفاق الرأسمالي للشركة سيرتفع مرة أخرى في السنة المالية الحالية والمقبلة، ليمثل ما نسبته 28 و27 في المئة على التوالي من حجم الإيرادات المتوقعة.

ويرى المراقبون أن الإنفاق الكبير المخصص معظمه لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل شراء رقائق إنفيديا باهظة الثمن وأنظمة التبريد المطلوبة لضمان عمل المعدات التقنية، إضافة للكلفة الكبيرة لفاتورة الكهرباء، هي عوامل تشكل خطراً كبيراً على إيرادات مايكروسوفت، فرغم ارتفاع التدفق النقدي الحر للشركة بنسبة 25 في المئة في العام المالي السابق، إلا أن التوقعات تشير إلى ارتفاعه بنسبة 3 في المئة فقط في هذا العام، حيث يقول كيث باخمان من “بي إم أو كابيتال ماركتس” إن مستويات الإنفاق الرأسمالي المرتفعة لدى مايكروسوفت قد تحد من توسع الهامش الربحي للشركة في المديين القريب والمتوسط

وهناك أيضاً عامل آخر يؤرق المستثمرين، وهو عدم رؤيتهم لمردود ناتج عن هذا الإنفاق الضخم، فمايكروسوفت لم تكشف حتى الآن عن إيرادات حققتها منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهذا ما دفع كيث فايس من “مورغان ستانلي” إلى الإشارة في تقرير صدر في الأول من أكتوبر الحالي، إلى أن صبر المستثمرين قد يبدو أنه بدأ ينفد، فيما يتصل بقدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على المساعدة في نمو الإيرادات بشكل أكثر إيجابية.

وما يزيد الأمور تعقيداً في علاقة مايكروسوفت بالذكاء الاصطناعي هو قيامها بتمويل OpenAI، فقد شاركت مايكروسوفت في جولة التمويل الضخمة لـ OpenAI التي انتهت منذ أيام، وقد استثمرت سابقاً 13 مليار دولار في الشركة، مما يجعلها أكبر مساهم خارجي في OpenAI، ولكن هذه المبالغ الضخمة يعتبرها المراقبون بمثابة عبء مالي كبير.

وفي تخفيض نادر للسهم، تقول جيل لوريا من البنك الاستثماري D.A. Davidson إن المنافسة التي لحقت بمايكروسوفت إلى حد كبير على جبهة الذكاء الاصطناعي، تقلل من مبرر التقييم الحالي للسهم عند تصنيف “ممتاز” وتخفضه إلى تصنيف “محايد”. في المقابل يصنّف قسم كبير من المحللين سهم مايكروسوفت على أنه سهم “شراء”، ما يشير إلى أن وول ستريت لا تزال تميل إلى منح الشركة التي تبلغ قيمتها 3.1 تريليونات دولار فرصة، حيث يتعين عليها فقط التأكد، من عدم نمو الشكوك تجاه مستقبلها مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ويقول المحلل التكنولوجي جو زغبي في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن مايكروسوفت هي واحدة من أولى شركات التكنولوجيا الكبرى التي صعدت إلى قطار الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال استثمارها بكثافة في شركة OpenAI وهي الشركة الأم لـ ChatGPT، كما عرضت مايكروسوفت لقدراتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي التوليدي عبر Azure، وهو برنامج الحوسبة السحابية الخاص بها، مشيراً إلى أن سهم مايكروسوفت خفت بريقه في الأشهر القليلة الماضية، تزامناً مع تباطؤ مشاعر المستثمرين تجاه اعتبار الذكاء الاصطناعي محركاً رئيسياً لسوق الأسهم، إذ بات هؤلاء يبحثون عن قيمة أفضل لاستثماراتهم في مكان آخر.

واعتبر زغبي أن بعض المستثمرين، يرون أن مايكروسوفت أصبحت تعاني من الإرهاق بسبب الذكاء الاصطناعي، فالأداء المذهل لسهم الشركة والذي تم تحقيقه في 2023، كان مبنياً على خطط مايكروسوفت لاستثماراتها في الذكاء الاصطناعي الجديد، ولكن هذا الواقع تغيّر في 2024، حيث إنه وكي يستمر سهم الشركة في الارتفاع، يحتاج المستثمرون الآن إلى رؤية دليل واضح، للمردود الذي يمكن تحقيقه من منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي، وهو ما فشلت في تحقيقه الشركة الأميركية بحسب ما أظهرت نتائج أعمالها الأخيرة

ويكشف زغبي أن سهم مايكروسوفت أظهر الأسبوع الماضي إشارة هبوطية غير مسبوقة منذ مارس 2022، فإضافة إلى خشية المستثمرين من عامل “تحقيق المردود”، يخشى هؤلاء أيضاً من الإنفاق الكبير الذي تقوم به مايكروسوفت، على مبادرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديداً لناحية المبالغ الطائلة التي تدفعها لشركة إنفيديا لتصنيع الرقائق، في حين أن الإنفاق لدى منافسي مايكروسوفت مثل ألفابت وAmazon، والذين يقومون باستثمارات مشابهة لم يصل إلى مستويات قياسية، مشدداً على أن المستثمرين يراقبون عن كثب مقدار الأموال التي تنفقها شركات التكنولوجيا لتمويل الذكاء الاصطناعي، مع قلق بعضهم من أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لرؤية أي عائد على هذه الاستثمارات.

وبحسب زغبي فإنه رغم الوضع الضبابي الذي يحيط بسهم مايكروسوفت، بسبب العلاقة المعقدة للشركة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أن معظم الخبراء يرون أنه سهم يستحق الاحتفاظ به وشراءه، مراهنين على أن ما تقوم به الشركة في هذا المجال، هو “بنية أساسية” سيظهر مردودها المالي على المدى المتوسط والبعيد.

من جهته يقول المحلل الاقتصادي محمد الحاج، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعبّر المستثمرون عن قلق متزايد، بسبب عدم وضوح العوائد المالية المرتبطة بهذه التقنية، فرغم الإمكانات الواعدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة وتقديم حلول مبتكرة، إلا أن الكثير من المستثمرين يشعرون بالقلق من أنهم لم يشهدوا بعد مردوداً مالياً ملموساً يستحق المخاطر التي يتحملونها، ومن هنا، وبعد أن كانت OpenAI أحد الأصول المهمة بالنسبة لشركة مايكروسوفت، تحولت مالكة ChatGPT إلى مصدر قلق لمايكروسوفت بالنسبة للمستثمرين.

ويشرح الحاج أن استثمارات مايكروسوفت في OpenAI بدت في 2022 و2023 وكأنها خطوة ذكية تمنح مايكروسوفت إمكانية الوصول إلى أفضل ما توصل له عالم الذكاء الاصطناعي بسرعة قياسية، مقارنة ببقية الشركات، ولكن، ومع عدم ظهور أي مردود مالي فعلي حتى الآن من هذه الاستثمارات، تحولت العلاقة التي تربط OpenAI بمايكرسوفت إلى علاقة شائكة ومكلفة مالياً في نظر المستثمرين، الذين باتوا يتريثون قليلاً قبل الإقبال على سهم مايكروسوفت هذا العام وذلك حتى تتضح الصورة بالنسبة لهم.

ويؤكد الحاج أنه من الصعب قياس الفوائد الفعلية لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مراحلها الأولى، وهذا الغموض يثير حيرة المستثمرين ويعكس طبيعة ما يحصل مع سهم مايكروسوفت في الوقت الراهن.

اترك رد

Your email address will not be published.