لا تصدق ما تراه في عصر إعلانات الذكاء الاصطناعي

21

بارمي أولسون

يسير الإعلان دائما على خيط رفيع يفصل بين التنميق والتلفيق، وفي عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديد، أصبح التلفيق أيسر، فلم تعد صناعة إعلان على شبكة الإنترنت تحتاج إلى عرض دقيق لصور فوتوغرافية ذات إضاءة جيدة، إذ يمكن الآن صناعة الإعلان وتحسينه بطرق خيالية.

ينبغي على المستهلكين شحذ وتنشيط ذكائهم وقدراتهم على التفكير المنطقي، ونحن ننتقل من شطائر الهامبرغر الطرية بشكل غير طبيعي إلى عرض صور للناس والطعام غير معقولة من الناحية المادية، مثل تلك الخلطة الغريبة من المكرونة التي استخدمتها شركة “إنستاكارت” لخدمة توصيل البقالة في إعلانها الترويجي الأخير.

حذفت “إنستاكارت” الآن توليفة فرانكشتاين من الأطعمة والوصفات التي لا وجود لها (أو ربما لا ينبغي أن توجد)، وشملت أنواعا من الحلوى مثل “مصاصات البطيخ مع رقائق الشوكولاتة”، التي يبدو أنها استحضرتها باستخدام أدوات جديدة لتوليد الصور. لكنها لم تكن وحدها في ذلك. فالمطاعم التي تبيع الطعام حصريا عبر تطبيقات التوصيل مثل “دور داش” و”غروب هاب” التابع لشركة “جست إيت تيك أواي” استخدمت أيضا صورا لأشياء غير معروفة على المكرونة الخاصة بها، وفقا لموقع “ميديا 404”.

تفوق على تلك المواقع جميعا معرض “ويلي ونكا” الذي أقيم أخيرا في غلاسكو في اسكتلندا، إذ زعمت ملصقاته التي أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي أن مشتري التذاكر سيتجولون في أجواء مشرقة بألوان المصاصات وألواح الشوكولاتة التي تصل حتى السقف. غير أنهم بدلا من ذلك دخلوا مستودعا كئيبا رمادي اللون، تبعثرت فيه بعض الأعمدة أو الدعامات الرخيصة.

استنساخ الأشخاص والمؤثرين

أتاح الذكاء الاصطناعي التوليدي أسلوبا في التسويق أكثر خبثا، هو الأسلوب الذي اكتشفته أولغا لويك عبر تجربة صعبة في ديسمبر الماضي. فقد كانت الطالبة التي تبلغ من العمر 20 عاما تحاول أن تصبح من المؤثرين على “يوتيوب” عندما اكتشفت عشرات الإعلانات المصورة لها وهي تبيع الحلوى على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية. لويك لا تعرف اللغة الصينية، لكن شبيهتها غير المصرح بوجودها كانت تتحدث بها.

مجموعة كبيرة من المؤثرين والمشاهير الآخرين جرى استنساخهم لدعم منتجات كثيرة من تطبيقات اللغة إلى دورات المساعدة الذاتية، وكل ذلك دون إذن منهم. لكن من المثير للدهشة اختيار لويك لتصدر حملة ترويجية أيضا. فقد كانت مبتدئة نسبيا على “يوتيوب”، فلم تنشر سوى ثمانية مقاطع فيديو لمدة شهر واحد قبل أن تبدأ مقاطع الفيديو المستنسخة في الظهور. وتعتقد لويك أن من استنسخوا صورتها ربما شدتهم ملامحها “السلافية” لاستخدامها في جذب المستهلكين الصينيين الذين يدعمون روسيا. وتقول: “قد يعجب هذا الجمهور بصورتي الرمزية.. وفي النهاية من المرجح أن يشتروا المنتج”. وقد وجدت فيديوهاتها الزائفة، التي تقول إن عددها بالمئات، طريقها إلى منصة “شياوهونغشو” Xiaohongshu الصينية المناظرة لتطبيق “إنستغرام” وموقع مشاركة الفيديو “بيليبيلي” BiliBili.

لم تحقق جهود لويك في الإبلاغ عن مقاطع الفيديو إلى الشركتين أي نتيجة. (عندما نشرت مقطع فيديو على “يوتيوب” عن تجربتها، بدأت بعض الفيديوهات المصطنعة لها في الانحسار أخيرا). وإذا تصفحت موقع “شياوهونغشو” لفترة طويلة بما يكفي، ستجد عديدا من مقاطع الفيديو الأخرى لعروض ترويجية مصطنعة للمؤثرين تثير الريبة. ولا تقتصر المشكلة على التطبيقات الصينية. ففي العام الماضي، عرض على منصة “تيك توك” التابعة لشركة “بايت دانس” إعلان لبيع مكملات غذائية للرجال استنسخ مذيع المقاطع الصوتية جو روغان وعالم الأعصاب في جامعة ستانفورد أندرو هوبرمان.

عصر فانتازيا الذكاء الاصطناعي

يمتلئ التاريخ بالابتكارات التي استغلها المروجون عديمو الأخلاق. فالهاتف فتح الباب على مصراعيه للمكالمات الآلية، أما البريد الإلكتروني ففتح الباب للرسائل العشوائية المتطفلة. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد فتح الباب أمام عصر جديد من الفانتازيا تجسده شطائر المحار ذات المظهر الفضائي.

من السيئ بما فيه الكفاية أن تسرق هويات أشخاص مثل لويك وتنشر دون إذنهم. لكن حتى التزييف على مستوى منخفض، مثل الطعام غير الجذاب وغير الحقيقي، يشكل تحديا جديدا أمام المستهلكين. إحدى طرق مواجهة هذه المشكلة هي أن يصبحوا أكثر تشككا في الإعلانات على المنصات الموجودة على شبكة الإنترنت. وستحتاج شبكات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام” التابعة لشركة “ميتا بلاتفورمز” إلى تطوير أساليبها في اكتشاف تلك الإعلانات، ويجب على الجهات التنظيمية أن تتدخل.

حظرت الهيئة التنظيمية الرئيسة للإعلانات في المملكة المتحدة إعلانين من شركة “لوريال” في 2011 بسبب شكاوى من الإفراط في “استخدام البخاخة” على عارضات الأزياء. ولكن كان ذلك في عصر الفوتوشوب. والآن، تقوم “هيئة معايير الإعلانات” ASA بمراجعة دقيقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، حسبما أخبرني متحدث باسم الهيئة التنظيمية، ما قد يؤدي إلى وضع إرشادات جديدة للمعلنين هذا العام. وقال المتحدث “إنه لا ينبغي استخدام التكنولوجيا، على سبيل المثال، للمبالغة في فعالية المنتج”. تقول لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية “إنها أيضًا تركز بشكل مكثف على هذه المشكلة”.

قد يكون إعلان إخلاء المسؤولية من بين طرق معالجة هذه المشكلة. في 2021، عدلت الحكومة النرويجية قوانينها بحيث يتعين على المعلنين والمؤثرين الإفصاح عن استخدامهم لصور أشخاص معدلة رقميا. وكان الهدف من ذلك استهداف معايير الجمال غير الواقعية، غير أن فرض إعلان إخلاء المسؤولية على الإعلانات التي يجري إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي أدى إلى زيادة الوعي العام بـ”الصور” أو “مقاطع الفيديو” المصطنعة بالكامل.

بطبيعة الحال، ليس لدى صناع السياسة الكثير مما يستطيعون أن يفعلوه لوقف من استنساخ أولغا لويك. ويبدو أن هذا هو جوهر المشكلة. تقول أولغا عن قناتها الجديدة على “يوتيوب”: “سأستمر في القيام بذلك، لكنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك بعض التنظيم. أنا فقط لا أعرف مع من أتواصل”.

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.