حمى الذكاء الاصطناعي تستعر من جديد
عند الاستماع إلى مارك زوكربيرج الأسبوع الماضي، من الصعب ألا نستنتج أنه عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فإن معظم صناعة التكنولوجيا تطرح أي أفكار تخطر في بالها لمعرفة أي منها سينجح.
استغل الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مؤتمر المطورين السنوي لشركته لإظهار كيف سيكون بمقدور مستخدميها، البالغ عددهم ثلاثة مليارات، قريبا القيام بأشياء مثل تزيين صورهم على إنستجرام بتأثيرات رقمية جديدة أو الدردشة عبر الرسائل النصية مع تجسيدات لمشاهير يولدها الذكاء الاصطناعي.
أمضى زوكربيرج معظم العام الماضي في التقليل من شأن آفاق عالم ميتافيرس ثلاثي الأبعاد التفاعلي على المدى القصير الذي طالما روج له. بدلا من ذلك، كان يروج لفكرة مفادها أن الأشكال الجديدة من الذكاء الاصطناعي ستعزز جميع الخدمات الحالية لشركته.
كما قال الأسبوع الماضي، إنه اعتقد في وقت من الأوقات أن الناس سيشترون نظارات الواقع المعزز من “ميتا” لمشاهدة صور مجسمة مثيرة متراكبة على العالم الحقيقي. أما الآن فيعتقد أن من المرجح أن يشتروها لأسباب أكثر واقعية، مثل القدرة على مشاهدة أوصاف نصية موجزة للأشياء التي ينظرون إليها.
أي من هذه الاستخدامات الجديدة للذكاء الاصطناعي، إن وجد، سينتشر؟ وهل يمكن لأي منها أن يشعل حماسا كالذي أعقب وصول تشات جي بي تي العام الماضي؟ تشبه التجربة إلى حد كبير فترة الحوسبة الهاتفية التي سبقت إطلاق جهاز الآيفون. كان كثيرون في صناعة التكنولوجيا مقتنعين بأن دمج الحوسبة والاتصالات المتنقلة من شأنه أن يأتي بعصر جديد. لقد كانوا على حق في ذلك – ولكن لم يكن الطريق إلى الأمام واضحا إلا عندما طرحت شركة أبل أول هاتف يعمل باللمس في 2007.
زوكربيرج ليس وحده على الإطلاق في هذا البحث عن الصيغة التي ستنقل الذكاء الاصطناعي إلى الجماهير. كما تستكشف أوبن إيه آي، الشركة التي تقف وراء تشات جي بي تي، طرقا لدمج تكنولوجيتها في الخدمات والمنتجات الجديدة.
أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة الأسبوع الماضي إمكانات جديدة للصوت والصورة لتشات جي بي تي. قالت الشركة إنك إذا التقطت صورة لمحتويات ثلاجتك، يمكن أن يساعدك برنامج الدردشة الآلي على تحديد ما ستتناوله على العشاء ويرشدك إلى الوصفة. أو يمكنك أن تطلب منه تسوية نقاش على مائدة مأدبة العشاء، دون مطالبة الجميع بالنقر على هواتفهم الذكية. وتبين أيضا أن “أوبن إيه آي” تبحث في عقد شراكة مع السير جون إيف، مصمم الآيفون، لابتكار أجهزة رقمية جديدة مصممة خصيصا لتكنولوجيتها الجديدة.
تسلط أحدث الجهود التي تبذلها “ميتا “و”أوبن إيه آي” الضوء على انفتاح جبهتين رئيستين في سباق الذكاء الاصطناعي الاستهلاكي. إحداهما ظهور ما يسمى بالأنظمة متعددة الوسائط التي تجمع بين فهم النص والصورة والصوت. قبل عام أو عامين، كانت التكنولوجيات المستخدمة في ذلك تعمل على مسارات متوازية ولكنها منفصلة: كان مولد الصور دال-إي 2 من “أوبن إيه آي” قد أحدث ضجة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي قبل إطلاق تشات جي بي تي بوقت طويل. يؤدي دمج الاثنين في الخدمة نفسها إلى إيجاد إمكانات أكثر. وتسعى جوجل لابتكار نماذج متعددة الوسائط منذ فترة أطول حتى.
ويمكن لهذا أن يهز المنافسة في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية. فمثلا، ربما يؤدي إطلاق “أوبن إيه آي” للخدمات الصوتية إلى تخطيها شركة أمازون، التي وعدت الأسبوع ما قبل الماضي بدمج ذكاء على غرار ربوت الدردشة الآلية في مكبراتها الصوتية الذكية التي تعمل بنظام أليكسا. ولكن بينما لا تزال أمازون تصف ما يمكن أن تفعله، تقول “أوبن إيه آي” إنها قادرة الآن على تحقيق ذلك.
هناك جبهة جديدة أخرى تتضمن الأجهزة في سباق الذكاء الاصطناعي الاستهلاكي هذا. التوقعات بأن الهواتف الذكية ستستبدل بأجهزة جديدة أقل تطفلا وأكثر ملاءمة للذكاء الاصطناعي ليست جديدة. جربت كل من شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة لأعوام النظارات الذكية وأساور المعصم وغيرها من “الأجهزة القابلة للارتداء” المصممة لإيجاد تجربة تكنولوجية أكثر سلاسة من الهاتف المحمول.
ما زال استكشاف “أوبن إيه آي” للأجهزة الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في مرحلة مبكرة. لكن اهتمامها بالتعاون مع إيف يشير إلى أنها ترى فرصة لبلوغ “مجد آيفون” الذي سيكون له التأثير نفسه الذي أحدثه هاتف أبل الذكي في الاتصالات المحمولة. ومن الصعب التنبؤ بالشكل الذي سيتخذه ذلك بالضبط – أو فيم ستستخدم هذه الأجهزة الجديدة.
اختتم زوكربيرج مؤتمر مطوري ميتا الأسبوع الماضي بعرض توضيحي استخدام فيه النظارات الذكية لشركته لبث فيديو مباشر من المقعد الأمامي لسيارة سباق. لقد كان ذلك بمنزلة عودة غريبة إلى أوائل العقد الثاني من هذا القرن والأيام الأولى للواقع المعزز، عندما طرحت جوجل نظارتها الثورية آنذاك على العالم بعرض توضيحي مشابه.
كان من السهل حينذاك أن نتخيل أننا جميعا سنرتدي النظارات الذكية الآن. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لا يزال من الصعب أن نعرف تماما كيف سيتسلل الجيل المقبل من الخدمات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى حياتنا اليومية.