لعنة الذكاء الاصطناعي

20

د. حواء القرني

 

يعيش العالم اليوم في العصر الذهبي للتكنولوجيا الحديثة نظرًا إلى التغير التكنولوجي الذي نشهده من آن لآخر. ومن بين هذه التكنولوجيات المبتكرة يأتي الذكاء الاصطناعي، الذي يمتلك القدرة على تحليل البيانات، واتخاذ القرارات، وتعلُّم الأنماط، والتفاعُل مع المستخدمين بطريقة ذكية وفعَّالة.

 

ويشمل التطور الحديث للذكاء الاصطناعي العديد من التقنيات الحديثة، مثل تعلُّم الآلة، والشبكات العصبية الاصطناعية، والروبوتات، وتحليل البيانات الضخمة، والتعرُّف على الصوت والصورة.. وغيرها من التقنيات الحديثة التي تُستخدم في العديد من المجالات، بما في ذلك الطب والصناعة والتجارة والترفيه والتعليم.

 

وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي بات من أهم التطورات التقنية في العصر الحديث، التي يمكن استخدامها في العديد من المجالات، لكنه أصبح يشكِّل خطرًا واضحًا على العمالة البشرية، وقد يتسبب في فقدان الوظائف، وعدم المساواة في الدخل.

 

وعلى الرغم من ذلك فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أيضًا أن يؤدي إلى إنشاء وظائف جديدة، وإحداث تغييرات إيجابية في سوق العمل؛ إذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، والتنبؤ بالسلوك الاستهلاكي؛ وهو ما يساعد على تحسين العمليات التجارية، وتحسين الإنتاجية؛ وبالتالي يزيد من الطلب على العمالة المؤهلة للعمل مع التكنولوجيا الحديثة.ِ

 

وقد يؤثر هذا التطور التكنولوجي بشكل كبير على العمالة، خاصة في المهن التي تتطلب مهارات منخفضة وتكرارية؛ لأنه يؤدي بشكل أسرع وأكثر دقة بعض المهام التي كان يقوم بها البشر في الماضي؛ ولذلك يثير قلقًا شديدًا حول مستقبل العمالة البشرية، وأصبحت هناك مخاوف متزايدة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشر.

 

ومن أجل مواجهة التحديات التي وضعها أمامنا الذكاء الاصطناعي يجب على الحكومات والشركات تطوير استراتيجيات جديدة للتعليم والتدريب؛ لتمكين العمال من التكيف مع التغييرات التكنولوجية، إضافة إلى تحسين الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة، وتوفير فرص العمل الجديدة.

 

ومن المهم أن يتم تعزيز الحوار والتفاعل بين الحكومات والشركات والعمال حول كيفية تطبيق التكنولوجيا الحديثة بشكل أفضل، وكيفية تشجيع الابتكار والتطوير في الاقتصاد الحديث؛ لذا لا بد أن يتم التركيز على تحقيق التوازن بين استخدام التكنولوجيا الحديثة وحماية حقوق العمال وتحسين جودة الحياة.

 

ومن الجوانب الأخرى التي يجب النظر إليها خلال حديثنا عن الذكاء الاصطناعي الجوانب الأخلاقية والقانونية.. فمن الضروري أن يتم تطوير قواعد وأنظمة قانونية، تحمي حقوق العمال، وتحدُّ من الآثار السلبية للتقنيات الحديثة، ومراقبة استخدام التقنيات الحديثة؛ لتجنُّب استغلال العمال، وتقليل الفجوة الاجتماعية.

 

ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجب على الحكومات والشركات العمل بشكل مشترك؛ لتطوير مبادئ أخلاقية ومعايير قانونية، تضمن استخدام التقنيات الحديثة بشكل مسؤول، وتحترم حقوق العمال، وتحد من الآثار السلبية.

 

وفي النهاية، يجب أن نفكر في الذكاء الاصطناعي كفرصة لتحسين الحياة، وتحقيق التنمية المستدامة، وليس كتهديد لمستقبل العمالة البشرية. وعلينا جميعًا العمل بجد لتطوير استراتيجيات جديدة للتعليم والتدريب، وتقوية قدرات العمالة؛ للتكيف مع التغيرات التكنولوجية، والاستفادة من فرص العمل الجديدة التي يمكن أن تتيحها التقنيات الحديثة.

 

ومن خلال التعاون والحوار والتفاعل المستمر والمشترك يمكننا تحقيق التوازن بين التكنولوجيا الحديثة وحماية حقوق العمال وتحسين جودة الحياة بشكل عام؛ ليصبح الذكاء الاصطناعي فرصة ذهبية بدلاً من أن يتحول إلى لعنة تطارد البشرية.

 

المصدر: صحيفة سبق

اترك رد

Your email address will not be published.