AI بالعربي – متابعات
يواصل الذكاء الاصطناعي تغيير مسار البحث الدوائي بسرعة مؤثرة. ويُظهر إنجاز بحثي جديد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأنظمة التوليدية قادرة على تصميم مركبات علاجية مبتكرة.
ويقدّم هذا التقدم مسارًا جديدًا لمواجهة أزمة مقاومة المضادات الحيوية التي تهدد الصحة العالمية.
هياكل جزيئية جديدة بالكامل
اعتمد فريق المعهد على نظام توليدي صُمم لإنشاء جزيئات غير موجودة في أي قاعدة بيانات كيميائية. وسعى الباحثون إلى اختبار قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مركبات علاجية تبدأ من الصفر.
وبدأ المشروع نهاية عام 2024 بعد تدريب مكثف للنموذج. وخلال فترة قصيرة، ابتكر النظام أكثر من 29 مليون تركيب جزيئي فريد. وتم ذلك خلال 48 ساعة فقط. وتفوقت هذه القدرة على أي منهج تقليدي في اكتشاف الأدوية.
مواجهة تصاعد مقاومة المضادات الحيوية
جاء هذا المشروع استجابة لخطر عالمي يتزايد بسرعة. فالبكتيريا المقاومة للأدوية تقتل أكثر من مليون شخص سنويًا. ويتراجع إنتاج المضادات الحيوية الجديدة رغم تزايد الحاجة.
وتتعرض الشركات لضغوط اقتصادية تجعل الاستثمار في هذا القطاع غير مشجع. وتستخدم المضادات لفترات قصيرة، وهذا يقلل العائد المالي مقارنة بأدوية الأمراض المزمنة مثل علاجات السرطان أو أدوية الضغط.
كما أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم توافق منذ الثمانينيات إلا على أنواع محدودة من المضادات. ومعظمها كان تعديلًا لأدوية معروفة بدل إنتاج مركبات جديدة.
جهود بحثية تمتد لعقود
ركز فريق MIT بقيادة جيمس كولينز على الذكاء الاصطناعي في مجال اكتشاف المضادات منذ نحو عشرين عامًا. ونجحت مشروعات سابقة في فهم آلية تأثير المضادات وتحسين خصائص الأدوية المتاحة. وبعد ست سنوات من التجارب، بدأت المجموعة تتوسع في فحص مجموعات كبيرة من الجزيئات باستخدام نماذج تعلم آلي متطورة.
وأدى هذا العمل إلى اكتشاف جزيء “هاليسين”. وطُور هذا الجزيء لعلاج السكري قبل أن يُثبت نشاطًا مضادًا للبكتيريا. وتتابع شركة Phare Bio تطوير هذه المركبات لتصل إلى التجارب السريرية.
جيل جديد من المنهجيات التوليدية
ركزت الدراسة الجديدة على ابتكار جزيئات لم يسبق أن ظهرت في أي سجل كيميائي.
وجرى استخدام منهجين مستقلين في التصميم:
منهج يعتمد على دمج شظايا مضادات ميكروبية معروفة داخل تراكيب كاملة.
منهج يسمح للذكاء الاصطناعي بتكوين تركيب حر بالكامل دون الاعتماد على وحدات بناء جاهزة.
وسمح هذا الدمج بتغطية منطقة واسعة من المساحة الكيميائية التي لا يمكن الوصول إليها بالطرق التقليدية.
ترشيح دقيق لإنتاج مركبات قابلة للتصنيع
بعد توليد الملايين من التصاميم، استخدم الفريق سلسلة من مراحل الفرز. واعتمد جزء منها على الخوارزميات وجزء آخر على مراجعة بشرية. وفحص الكيميائيون نحو خمسة آلاف جزيء يدويًا لتقييم إمكانية التصنيع.
وتطلبت العملية جهدًا كبيرًا بسبب تعقيد الأشكال التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي. وصُنّع جزء صغير فقط من هذه الجزيئات لاختبار فاعليتها.
نتائج علاجية واعدة ضد أمراض مقاومة
أسفر النهج القائم على الشظايا عن تصميمين مرشحين أثبتا فاعلية عالية. وأظهر أحدهما نشاطًا واضحًا ضد بكتيريا السيلان المقاومة.
وفي النهج التوليدي الكامل، صُنّع 22 جزيئًا جديدًا. وأثبت أحد هذه المركبات قدرة علاجية قوية ضد عدوى MRSA في تجارب أجريت على الفئران.
وتُعد هذه النتائج خطوة تؤكد أن المركبات التوليدية يمكن أن تنتقل من صور رقمية إلى مواد فعالة داخل الكائن الحي.
دليل مبكر على قدرة الذكاء الاصطناعي في تصميم علاجات مبتكرة
يشير الباحثون إلى أن هذا العمل يمثل أول إثبات واضح لقدرة النماذج التوليدية على إنتاج تركيبات مضادة للبكتيريا لا تشبه أي مركبات تجارية أو معروفة. وتفتح هذه القدرة بابًا جديدًا لابتكار أدوية لم يكن من الممكن تصورها سابقًا.
ورغم أن تطوير العقاقير لا يزال مسارًا بطيئًا، إلا أن توظيف الذكاء الاصطناعي في مرحلة الاكتشاف المبكرة يخفض التكاليف ويزيد فرص النجاح.
طريق قابل للتوسع في مجالات علاجية أخرى
لا يقتصر النموذج المقترح على مكافحة البكتيريا. ويمكن تطبيق الإطار ذاته على تطوير أدوية السرطان، والأمراض الأيضية، واضطرابات عديدة تحتاج إلى تصميمات جزيئية مبتكرة. ويمنح هذا الاتجاه الباحثين قدرة على الوصول إلى مساحات كيميائية ضخمة يصعب استكشافها بوسائل تقليدية.
ويدعم هذا التقدم رؤية جديدة لعالم الدواء. فالمستقبل قد يشهد اكتشاف مركبات علاجية عبر الخوارزميات قبل انتقالها إلى المختبرات.
خلاصة
يقدم هذا البحث نقطة تحول مهمة في تاريخ اكتشاف المضادات الحيوية. ويُظهر أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج حلول علاجية جديدة انطلاقًا من مساحات لم يسبق للبشر الوصول إليها. ويمنح هذا التوجه الأمل في مواجهة موجة مقاومة الأدوية التي تهدد الصحة العالمية.








