الذكاء الاصطناعي المستحيل
د. زياد بن عبدالعزيز آل شيخ
عبر عدد من المختصين من قلقهم من تفوق الذكاء الاصطناعي، حتى يبلغ من الذكاء بحيث يسيطر علينا بعد أن نعتمد عليه كلياً، هذا هو التصور الذي يعبر عنه صراحة أو ضمناً في النداءات التي تحذر من الذكاء الاصطناعي، بعضها جاء في صورة بيانات وتصريحات ورسائل مفتوحة، وأخرى في صور غير مباشرة مثل تصريح رئيس جوجل في برنامج (60 دقيقة), تحدث رئيس جوجل في البرنامج الأميركي (60 دقيقة) عن خصائص غير متوقعة لوحظت في برمجيات الشركة الذكية. ففي إحدى المرات، استطاع برنامج المحادثة تعلم اللغة البنغالية بنفسه بعد تحفيزه قليلاً، مما جعل المهندسين في حيرة من قدرته على اكتساب معرفة جديدة دون تدخل من أحد.
سبب الدهشة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تنفذ أعمالها المتخصصة بعد تدربها على بيانات كبيرة، إنما ليس من المعروف أنها قادرة على تعلم شيء جديد كما لو أن لها إرادة ذاتية، قوبل التصريح في وسائل التواصل الاجتماعي بالاستغراب، بل كشف بعض الباحثين أن اللغة البنغالية من اللغات التي دربت عليها أنظمة جوجل، وأن ما قيل في البرنامج مغالطة كبيرة, بغض النظر عن ملابسات التصريح، فهو يرتكز على تعظيم لقدرات الذكاء الاصطناعي، كأن تظهر له خصائص ناشئة لم يكن يمتلكها ولا يعرف مصنعوه كيف اكتسبها، فيتعلم لغة جديدة بنفسه، ليس الأمر في تعلم اللغة ذاتها، إنما في إرادة تعلم اللغة، خصوصاً إذا لم يبرمج التطبيق على ذلك.
فكرة سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان ليست جديدة، بل فكرة أن يصنع الإنسان ما يؤدي إلى تدميره هاجس قديم يمتلك المخيلة الغربية منذ رواية فرانكشتاين في القرن التاسع عشر حتى الصاعق النووي في القرن العشرين، فبعد أن تخفف الفكر الغربي إجمالاً من الجانب الروحي والإيماني مغلباً المادة والعقل، وجد نفسه وقد صنع كابوسه: عقل آخر أقوى منه، يتمرد عليه, تأتي مع الذكاء الاصطناعي لا شك تحديات تستحق العناية اقتصادياً واجتماعياً، إنما الاعتقاد بالقدرات الفائقة أمر يحتاج إلى تمحيص، جاء الاعتقاد بقدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة نتيجة تصور محدد للذكاء والعقل، فمنذ أن وصف ديكارت ثنائية العقل والجسد، أصبحت معضلة العلاقة بينهما محورية، ولم يحسم المعضلة أحد إلى اليوم.
ومع النزعة المادية المتطرفة، لم يعد للوعي من مكان في النقاش، فكل من يؤمن بالذكاء الاصطناعي القوي، يتجاهل مسائل الوعي والإرادة، ودورهما في تحقيق الذكاء بالمعنى الكامل، ففي حديث رئيس جوجل، ما أشكل على الكثير أن البرنامج دون تدريب أو أمر سابق، تولدت لديه إرادة تعلم لغة جديدة. وجود إرادة مستقلة للبرمجيات أمر لا يتحقق بالقدرات التي نعرفها اليوم ولا مستقبلاً، التوقعات المبالغ فيها وقعت ضحية النظرة المادية المفرطة التي تجاهلت الجانب الروحي غير الملموس لعقل الإنسان، وهو الجانب الأكثر فرادة وأهمية في تكوينه.
المصدر: الرياض