الذكاء الاصطناعي على أعتاب التحول الذاتي.. هل اقتربت لحظة الانفجار؟

تشير أبحاث علمية حديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي خلال عامين قد يمتلك القدرة على الاعتماد على ذاته من دون تدخل البشر.

انتقل الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة للترجمة وتحليل البيانات إلى قوة مؤثرة في الهندسة والطب والإعلام والسياسة والأمن.

من “الأداة المساعدة” إلى “الكيان المستقل”

لم يعد النقاش حول قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء المهام التقليدية.

بل تحوّل إلى الحديث عن فرضيات “الانفجار الذاتي”، أي أن يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إعادة برمجة نفسه دون تدخل المبرمج البشري.

أبحاث تحذر من مرحلة “الانفجار الذكي”

تناول مركز الجزيرة للدراسات هذه الفرضية في ورقة بعنوان “الذكاء الاصطناعي وإعادة البرمجة الذاتية: سيناريوهات الانفجار الذكي”.

أعدّ الدراسة الدكتور خالد وليد محمود، رئيس قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا.

ناقشت الورقة جذور الفرضية، ومن يتحكم بهذه القوة، وإشكالية الاستقلال الذاتي.

جذور فكرة “الانفجار الذكي”

في أبريل 2025، أصدر مشروع “مستقبل الذكاء الاصطناعي” تقريرًا توقّع أن تصبح الأنظمة قادرة على إعادة تصميم بنيتها خلال عامين.

تفاعلت وسائل الإعلام العالمية مع التقرير بشكل واسع.

مجلة “ذا نيويوركر” أشارت إلى مسارين مختلفين لمستقبل الذكاء الاصطناعي:

الأول يرى أنه سيتفوق على الإنسان، والثاني يرى أن التطور سيكون بطيئًا بسبب نقص الموارد.

من التنظير إلى النقاش الواقعي

رغم الجدل، دعت وسائل الإعلام إلى وضع سياسات استباقية.

الهدف هو مواجهة احتمال أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر استقلالية من البشر.

يعود أصل فكرة “الانفجار الذكي” إلى عام 1965.

حينها نشر عالم الرياضيات البريطاني “آي. جي. غود” مقالًا بعنوان “تخمينات حول أول آلة فائقة الذكاء”.

توقّع فيه أن أول آلة فائقة الذكاء ستستطيع تحسين تصميمها الذاتي باستمرار حتى تتجاوز قدرات البشر.

من الخيال العلمي إلى التطبيق الواقعي

تحوّلت تلك الرؤية من فكرة فلسفية إلى فرضية مركزية في دراسات الذكاء الاصطناعي.

ثم جاء الفيلسوف السويدي “نيك بوستروم” ليُطوّرها في كتابه “الذكاء الفائق: المسارات، المخاطر، الإستراتيجيات”.

وضع فيه سيناريوهات مفصلة للانفجار الذكي، محذرًا من أن لحظة الذكاء الفائق قد تكون أسوأ ما تواجهه البشرية.

أصوات ناقدة لفرضية “الذكاء الفائق”

قدّم باحثون مثل “غاري ماركوس” و”أرفيند نارايانان” نقدًا لاذعًا لفكرة الانفجار الذكي.

يرون أن الحديث عن قفزة مفاجئة نحو ذكاء فائق يتجاهل القيود التقنية والمادية.

فكل نظام يعتمد على البيانات والطاقة والتكلفة.

ولهذا فإن الذكاء الاصطناعي، مهما تطور، سيظل خاضعًا للبنية البشرية.

سباق عالمي نحو “الذكاء المستقل”

تتعامل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي مع فكرة “الذكاء الفائق” بوصفها سيناريو محتملًا يجب الاستعداد له.

لم تعد القضية مجرد نقاش فلسفي بل أصبحت جزءًا من إستراتيجيات الأمن القومي والتطوير التكنولوجي.

مشكلة القدرة على الاستقلالية

رغم التقدم السريع، ما زال الذكاء الاصطناعي يعتمد على البشر في كل مرحلة.

النماذج الأكثر تطورًا مثل “تشات جي بي تي”، و”جيميني”، و”كلود” تحتاج إلى بنية تحتية ضخمة تعمل بإشراف بشري مستمر.

تستهلك هذه النماذج طاقة تعادل استهلاك مدن صغيرة، وتعتمد على أنظمة تبريد وإنترنت فائق السرعة.

بداية ملامح “البرمجة الذاتية”

رغم الاعتماد الكبير على البشر، بدأت تظهر مؤشرات على قدرة الذكاء الاصطناعي على تعديل خوارزمياته الداخلية.

بعض البرامج باتت تولد أكوادًا جديدة لتحسين الأداء دون تدخل مباشر من المبرمج.

لكن العلماء يؤكدون أن هذه الخطوات لا تزال محدودة ولا تقترب من الاستقلال الكامل.

السؤال الجيوسياسي: من يمتلك “الذكاء الفائق”؟

إذا ظهر نظام قادر على تطوير ذاته، فالسؤال الأهم هو: من سيسيطر عليه؟

هل تكون الولايات المتحدة من خلال وادي السيليكون ورأس المال؟

أم الصين التي توحّد الدولة والجيش والشركات تحت هدف واحد؟

أما أوروبا، فقد اختارت طريق التشريعات عبر قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي عام 2014.

السباق نحو “السيادة الرقمية” في الشرق الأوسط

بدأت دول مثل قطر والإمارات في تبني إستراتيجيات للسيادة الرقمية، وتسعى هذه الدول إلى امتلاك البيانات كمصدر قوة سياسية واقتصادية.

فمن يملك البيانات يملك التأثير المستقبلي في القرارات العالمية.

الأبعاد الأخلاقية ومخاطر الانفجار الذكي

يثير “الذكاء الفائق” أسئلة أخلاقية معقدة، قد يتحول إلى “صناديق سوداء” لا يعرف البشر ما يجري داخلها.

في ثورة الإنترنت، ظل الإنسان فاعلًا معرفيًا، أما في عصر الذكاء الاصطناعي، فهناك خطر أن يحل محل العقل البشري نفسه.

الأمم المتحدة تبحث “معاهدة للذكاء الاصطناعي”

تجري الأمم المتحدة مشاورات حول معاهدة دولية للذكاء الاصطناعي، الفكرة تشبه معاهدة حظر الأسلحة النووية.

الهدف هو منع الاحتكار وحماية البشرية من أخطار غير متوقعة.

سيناريوهات المستقبل

هناك سيناريوهان رئيسيان لمستقبل الذكاء الاصطناعي:

  • السيناريو التفاؤلي: يرى أن الذكاء الاصطناعي سيكون شريكًا للإنسان، يعزز الإنتاجية ويطور المجتمعات.
  • السيناريو التشاؤمي: يتوقع أن يتفوق على الإنسان ويقضي على ملايين الوظائف.

تفرض الثورة الحالية على البشرية أن تكون أكثر جرأة في التفكير.

فالتاريخ يعلّمنا أن التحولات الكبرى لا تنتظر البشر حتى يستعدوا لها.

العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة، قد تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة، بين المبرمج والذكاء.

  • Related Posts

    دراسة تكشف عزوف الألمان عن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التسوق

    AI بالعربي – متابعات يخترق الذكاء الاصطناعي تفاصيل الحياة اليومية بسرعة مذهلة، بات اليوم قادرًا على اختيار حاجيات الإنسان من طعام وملابس وحتى مستلزمات النظافة الشخصية. لكن السؤال المطروح في…

    “السعودية” تتصدر العالم في استثمارات الذكاء الاصطناعي وفقًا لتقرير “ريفربد 2025”

    AI بالعربي – متابعات حققت المملكة العربية السعودية نموًا استثنائيًا في استثمارات الذكاء الاصطناعي، لتتصدر المشهد العالمي وتثبت ريادتها في تبني التقنيات الحديثة، وفقًا لتقرير شركة “ريفربد تكنولوجي” الأميركية لعام…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    • أكتوبر 1, 2025
    • 210 views
    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    • سبتمبر 29, 2025
    • 225 views
    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    • سبتمبر 26, 2025
    • 151 views
    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

    • سبتمبر 24, 2025
    • 173 views
    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

    الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

    • سبتمبر 18, 2025
    • 108 views
    الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

    الإعلام والذكاء الاصطناعي.. ستة مصادر للقلق

    • سبتمبر 15, 2025
    • 116 views
    الإعلام والذكاء الاصطناعي.. ستة مصادر للقلق