الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف
ماجد الجريوي
مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي لم تعد آثارها محصورة في مجالات التكنولوجيا والصناعة فحسب، بل امتدت لتطال أدق التفاصيل في مجالات أخرى، من بينها البروتوكول، المراسم، والتشريفات، سواء في الأوساط الدبلوماسية أو الرسمية أو حتى في القطاع الخاص.
أحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا لافتًا في طريقة تنظيم الفعاليات الرسمية والافتراضية، حيث بات يُستخدم في جدولة الاجتماعات الدولية، وإدارة الفروق الزمنية، وترتيب المشاركين وفق البروتوكول المعتمد. لقد أصبح بالإمكان إدارة قمم ومؤتمرات عن بُعد بكفاءة ودقة عالية، وذلك بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التي تضمن الانسيابية والتنظيم المثالي.
ومن خلال تحليل البيانات وتفضيلات الضيوف، أصبح بالإمكان تخصيص الدعوات، وتنسيق المقاعد، ووضع خطط التجليس، واختيار الهدايا بما يتوافق مع الأعراف الثقافية والبروتوكولية. لم يعد الأمر عشوائيًا أو قائمًا على الاجتهاد الفردي، بل يعتمد على أنظمة ذكية تضمن دقة التفاصيل واحترام العادات والتقاليد المختلفة.
أما في العوالم المتعددة الثقافات واللغات، فتلعب أدوات الترجمة الفورية وتحليل المشاعر دورًا حيويًا في تسهيل التواصل بين الوفود، والحفاظ على النبرة الدبلوماسية المناسبة. ولم يعد الخوف من الوقوع في “فخ الترجمة الخاطئة” مبررًا، بفضل تطور نظم الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.
كذلك، لا يمكن تجاهل دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز أمن الفعاليات والمراسم، من خلال تقنيات التعرف على الوجوه، وتحليل السلوك، وتحديد مستويات الوصول. هذه التقنيات باتت جزءًا لا يتجزأ من منظومة التشريفات، خاصة في المناسبات التي يحضرها كبار الشخصيات.
ولعل من أبرز الآثار أيضًا اعتماد عدد من الجهات على الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام الإدارية والبروتوكولية، كإعداد جداول العمل، وصياغة الخطابات الرسمية، وإعداد التقارير والتوصيات. هذه الأدوات تتيح توفير الوقت وتقليل الأخطاء البشرية، مما يرفع من جودة التنظيم.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد غيّر بعض ملامح العمل البروتوكولي والتشريفي، وفتح آفاقًا جديدة نحو مزيد من الاحترافية، والدقة، والابتكار في مجال البروتوكول والمراسم بشكل خاص والفعاليات الرسمية على وجه العموم.
وبرغم دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم المراسم والبروتوكول، فإن تدخله في هذا المجال لا يزال محدودًا مقارنة بمجالات أخرى. فالبروتوكول والمراسم تظل في جوهرها فنًا إنسانيًا رفيعًا، يعتمد على الذوق، والاحترام، والقراءة الدقيقة للسياقات الثقافية والاجتماعية.
الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تسهيل التنظيم وتحسين الكفاءة نعم، لكنه لا يستطيع استبدال الحس البشري في التعامل مع التفاصيل الدقيقة، أو فهم الرموز والمواقف التي تتطلب ذكاءً عاطفيًا وبروتوكوليًا راقيًا لا يمكن برمجته بالكامل. لذلك، تبقى هذه المهنة محافظة على بعدها الإنساني رغم تطور الأدوات المساعدة.