وماذا بعد الذكاء الاصطناعي؟
لا تزال تقنية الذكاء الاصطناعي مجالا خصبا لحديث العالم ومدى قدرتها على محاكاة سلوك البشر والذكاء البشري، وانصبت البحوث والعلوم والأعمال في ملاحقة الذكاء الاصطناعي، إلى إنشاء هيئات وجمعيات وجامعات متخصصة في الذكاء الاصطناعي. ويأخذ الذكاء الاصطناعي جزءا من حياتنا العملية بمشاركة أكبر ليس فقط في أتمتة دعم العملاء والعمليات الداخلية والقرارات اليومية البسيطة، بل إنها تتذكر وتدير مليارات البيانات. إن مشكلة الذكاء الاصطناعي تكمن في الذكاء نفسه، فالسباق إلى الذكاء الاصطناعي ليس بجديد، فهو يعود إلى بدايات نشأة علوم الحاسب حيث اقترح عديد من الأساليب لإنشاء الذكاء الاصطناعي ومنها محاكاة عمل الذكاء البشري.
وكان التحدي هو أننا لم نكن ندرك – وما زلنا لا ندرك بكل صراحة – آلية عمل الذكاء البشري حتى لو كانت الاكتشافات مبهرة. ثم نأتي إلى تكرار عمل الدماغ البشري باستخدام الترانزستورات والخوارزميات، ولا تزال ثمة محاولات عديدة ولا يزال كثير منها مجهولا. وأخيرا، السماح للآلة بأداء وظائف الذكاء البشري نفسها لكن دون معرفة حقيقية لكيفية عمل الدماغ البشري، وتمثل معرفة العواطف والأحاسيس واستيعاب الثقافات والقيم والأخلاق تحديا مزعجا لتقنية الذكاء الاصطناعي. في محاولة استشراف المستقبل، هل لنا أن نتساءل ونفكر قليلا، ماذا يا ترى بعد الذكاء الاصطناعي؟ وما هي ملامح التقنية المقبلة التي قد تكون امتدادا للذكاء الاصطناعي في الأعوام المقبلة؟ سنحاول جهدنا في تبسيط مفاهيم تلك التقنية المقبلة حسب المعطيات والشواهد واتجاهات البحوث العلمية.
تمثل تقنية الوعي الاصطناعي خطوة تالية في تطوير الذكاء الاصطناعي. والوعي الاصطناعي هو أن الآلات ستتبع مسارا يعكس تطور البشر وسلوكياته، لكن ستتطور الآلات المدركة لذاتها وتتحسن وتتطور من ذاتها بما يتجاوز قدرة البشر على فهمها والتحكم فيها. بينما ذكر آخرون أن الذكاء الاصطناعي يشير إلى آلة يمكنها أداء أي مهمة فكرية يستطيع الإنسان القيام بها، وأن الخطوة المقبلة هي ظهور مفهوم الذكاء الاصطناعي الخارق، الذي يشير إلى آلة تمتلك ذكاء يفوق بكثير ذكاء أي مخلوق بشري. ولا يزال البحث في هذا المجال يسير في مراحله المبكرة، إذ ليس من المعروف متى سيتم تحقيقه، هذا لو تحقق فعلا.
من جانب آخر، ظهر توجه آخر لتقنية ما بعد تطور الذكاء الاصطناعي في تكامل الذكاء الاصطناعي مع تقنيات أخرى مثل إنترنت الأشياء والروبوتات وشبكات الجيل الخامس. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التكامل إلى تطوير أشكال جديدة تكون أكثر تقدما من الذكاء الاصطناعي، في تطبيقات مثل الأنظمة المستقلة والمدن الذكية وأنظمة التصنيع المتقدمة والشبكات الكهربائية الذكية. وقد تكون الحوسبة الكمية أحد أكثر مجالات البحث والتطوير خصوبة وثراء في الذكاء الاصطناعي لأن الحوسبة الكمية تمتلك القدرة على زيادة قوة المعالجة لأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، ما يفتح آفاقا واسعة لتطورات كبيرة في مجالات تعلم الآلة والتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات.
أما أحد المجالات المثيرة للاهتمام، وقد تكون تقنية مقبلة ما بعد الذكاء الاصطناعي، فهي دمج تقنية الذكاء الاصطناعي مع المشاعر والأحاسيس الشبيهة بالإنسان. ويتضمن إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها من استيعاب وترجمة المشاعر البشرية وإثارة الذكاء العاطفي، ما يؤدي إلى تطوير أنماط تقنية جديدة أكثر تقدما للتفاعل بين الإنسان والآلة مثل المساعدين الظاهريين وروبوتات المحادثة التي يمكنها فهم المشاعر البشرية والاستجابة لها.
في الختام، لم نكن نعتقد مطلقا قبل عشرة أو 15 عاما أن التقنيات الحالية ستلامس هذا التطور السريع، ومن المرجح أن يتشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي من خلال تكامله مع تقنيات أخرى تكون أكثر تطورا من الذكاء الاصطناعي وإدراكا للعواطف والأحاسيس والأخلاقيات والقيم والثقافات.
المصدر: الاقتصادية