الاستعداد للذكاء الاصطناعي
صفية محمد الشحي
الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة، وما يحدث في المختبرات البعيدة من تجارب على نماذج لمحاكاة اللغة الطبيعية وتعلم الآلة، وصولاً إلى تجارب تعزيز القدرات البشرية في الذاكرة والرؤية من خلال الشرائح الذكية والأعضاء الصناعية، لا تفصلنا عنه سوى سنوات قليلة، وفي دراسة أخيرة نشرتها مجلة هارفارد بيزنيس ريفيو، هناك دلائل على أن الآلات الخارقة ستنتشر عام 2047، أما الذكاء الاصطناعي فسيتفوق علينا بنسبة 50% بحلول 2060، ما يثير مخاوف شتى مرتبطة بفرص التوظيف، التشريعات والقوانين والأنسنة، فهل نحن مستعدون؟
في الجلسة الأخيرة من حوارات المعرفة والتي عقدتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عرض الدكتور سعدي الظاهري، الشخصية الإماراتية المشهود لها في مجال التكنولوجيا والمستقبل الذكاء الاصطناعي على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، محاور مهمة تعلقت بمسألة مستقبل التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي على النطاقين الضيق والعام، مشيراً إلى مجموعة من التحديات التي شملت مشكلة التحيز للعرق واللون والدين والثقافة، مطالبا بالعمل على وضع أسس تجعل هذه المنظومة أكثر عدالة وشفافية واستدامة. حيث أفرزت التجارب المختلفة أكثر من ألف حالة فشل في هذه التطبيقات -حسب دراسة لجورج تاون- ومن بينها تلك المرتبطة بملف الضمانات الاجتماعية في الدانمارك والذي أدى إلى استقالة الحكومة بعد اكتشاف عثرة كبيرة بسبب تحيزات الخوارزميات في المشروع الذي بدأ عام 2013، وتبع ذلك وضع استراتيجية لتأسيس المبادئ الأخلاقية للذكاء الاصطناعي ومنها الشفافية، التوازن والقابلية للتفسير.
هناك دلائل على أن الآلات الخارقة ستنتشر عام 2047.. أما الذكاء الاصطناعي فسيتفوق علينا بنسبة 50% بحلول 2060
وقد أشار الدكتور الظاهري في حديثه عن حقيقة التأخر الكبير في المؤسسات على مستوى العالم فيما يتعلق بالاستعداد للتعامل مع هذا التوجه الجديد، حيث لا تتجاوز نسبة المؤسسات التي تمتلك خطط فعالة الـ1%، وذلك حسب تقرير منتدى الاقتصاد العالمي لعام 2022، ما يحتم ضرورة إيجاد ضوابط تضمن العدالة والانفتاح في استخدام الخوارزميات، وذلك من خلال تحقيق الحوكة ضمن منظومة العمل، وتحديد معايير أخلاقية وقانونية تواكب التوجهات العالمية، وتعتني بالقيم الإنسانية المشتركة، كما تراعي خصوصية الهويات والتعددية في المجتمعات المختلفة، وتهتم بالمنظور البيئي، خاصة في الدول التي لا تمتلك المقومات الكافية لتأسيس البنى التحتية اللازمة.
يبقى الإنسان هو محور أساس في هذه العملية، حيث لا يمكننا بمكان التعويل على النظم دون الالتفات إلى الكوادر البشرية، ومدى قدرتها على مواكبة التغييرات، وتحقيق قيمة مضافة في المجالات التخصصية المختلفة، ما يعني ضرورة تأسيس برامج توعية شاملة لكل أطياف المجتمع، وبمستويات تخصصية وغير تخصصية، بالإضافة إلى تعزيز التحالفات العالمية الرقمية، استعداداً لذكاء اصطناعي عام ومسؤول.